نصوص أدبية

يا "أخت هرون" أو يا بغداد / يحيى السماوي

 

يـا " أخـتَ هـــرون َ " هَــلّا عُـدت ِ فــاتــنـة ً

عـذراء َ تـلـبـسُ مـن ديـبـاج ِ مــاضــيــنــــــا  !

 

يـا " أُخـتَ هارون َ " قـد فـاضَـتْ مَـدامِعُــنــا

وفـاض َ كـأسُـك ِ زقّــومـا ً و غِــســلـــيـــنـــا (2)

 

يا " أخـتَ هـرون َ " ما أبـقـاك ِ بـيـت َ دُجـى ً

وكـان أمـسُـــك ِ شـمـســـا ً فـي مـآقــيــنـــــــا ؟

 

يـا " أخـتَ هـرون َ " قـد جـفّـتْ حـنـاجـرُنــا

مـن الـصُّـــراخ ِ .. وقـد ذُلَّــتْ صَـواريــنــــا

 

دالـتْ عـلـيـنـا صــروفُ الـدَّهـر ِ وانـقـلـبـتْ

صــروحُــنـا  ..  فـإذا رايـــاتُـنــا الــدُّونـــى !

 

فــأيـن َ مـنـك ِ زمــان ٌ كــان يـَـحــسَــبُــنــا

فـيـه الـطـغـاة ُ  ـ عـلى ظـلـم ٍ ـ  بـراكـيـنـا ؟ 

 

وأيــن عـهـدُك ِ بالـمـجـد ِ الــذي نـبــضــتْ

طـيـوبُــه ُ في فـم الــدُّنـيــا تـــلاحــيــنـــا ؟ 

 

كــأنـنــا لـم نـكـن حـقــلا ً لـذي سَــغــب ٍ

ولـلـعــدالـة ِ ـ فــي مـاض ٍ ـ مَـوازيــنــا !!

 

أكـلَّ يــوم ٍ رُحـى الـمـأســـاةِ  تـطـحـنـنـا

وكــلَّ يـوم ٍ فـمُ الأيــام ِ يــرثـيـنـــــــــا ؟

 

نـحـن ُ الـذيـن غـرسْـنـا في أضالـعِـنـا

سـيوفَـنـا  .. وعـبـثـنـا في روابـيـنــــا !

 

مُـسَـيَّـرونَ جـمـوعـا ً لا خـيـارَ لـنـــا

ونحسبُ الـقـاتِـل َ المــأجـورَ حــامِـيـنـا !

 

رمـاحُـنـا لـم تـنـلْ إلآ أحِـبَّــتــنــــــــــا

ونارُنـا لــم تَــطَـلْ إلآ أهــالـيـــنــــــــا  !

 

وأنــنــا ـ فـرط َ ما نـســعى لـتـفـرقـة ٍ

بـبـعـضـِنـا  ـ نحن أطْـمَـعْـنـا أعـاديـنـا !

 

يا " أختَ هـرون َ" والـمـأسـاة ُ أفـدحُها

أن َّ الـزرازيـر َ تصـطـاد الشّـواهـيـنـا !

 

وأنـنــا قـد رأيْــنـــا تـحــت داجــيــــة ٍ

مـشــانـقـا ً فحـسـبـنـاهـا بــســاتـيـنــــا !

 

يا " أخـتَ هـرون َ" أسْـلـمنـا ركـائِـبَـنـا

عـيونـنـا ومـحَـضـنـاهــا مـســاريـنـــا 

 

تمشي بـنـا خـبـبـا ًوالـحـزن ُ يـزحَـمُـنـا

ونـسـتـطـيــبُ وقـوفـا ً خـوفَ آتـيـنــــا

 

" عيدٌ بأيّة حال ٍ عدتَ "؟  لا وطـنـي

في مقـلـتيَّ .. ولـم يـفـرحْ مُـحِـبّـونــا !

 

قـد غادرتْـنـا إلى قـعـر ٍ مـراكِـبُـنـا

وأصْـحَرَتْ منذ أجيـال ٍ مَـراسـيـنـا !

 

مسـاكِن ٌ قـد تـركـنـاها عـلى مـضـض ٍ

وقد دخـلـنـا إلى أخرى مَـســاكـيـنـا !

 

 نستعطِفُ الدّهـرً أنْ يُخزي مُشـرِّدَنـا

وأنْ يَـمُـنَّ عـلى الأحبـاب ِ بـاريـنــا

 

يا " أختَ هـرون " أقسى ما نكابـدُهُ

أنَّ الهوى صار بـعـضا ً من معاصينا !

 

وحـسـبنا قد حملـنـا عـشقـنـا نـسَـغـا ً

فـلا نـعـيـشُ إذا مات الـهـوى فـيـنــا !

 

                 **

 

ويا " سماوةُ " إنّ العـشـقَ صَـيَّـرَنا

" ولّادة ً " تستبي في الشوقِ " زيدونا " !

 

قلبي به من عـذاب الوجد ِ مجـزرة ٌ

 مـتـى يـنوبُ لـقـاءٌ عن تجـافـيـنـا ؟

 

ويا " سماوةُ " أحداقي بها عـطشُ

لنجم لـيلِـك ِ لـو عادت لـيـالـيـنــا !

 

" بنتم وبنّا " .. فلا الأعيادُ تقـربـنـا (3)

يوما ً ولا منكم الأعراسُ تـأتيـنـا !

 

" أضحى التنائي بديلا من تدانينا " (4)

وعـن مـبـاهـجـنـا نابـتْ مــآسـيـنـا

 

تبغـددَ القـهـرُ يا أختَ الهوى  فإذا

سكينةُ النفسِ قد أضحتْ سكاكينا !

 

فما انتفاعي بمرآتي وقـد فـقـأتْ

يـدُ الصّبابـة ِ والمنفى مـآقـيـنـا ؟

 

نأى بنا الرعبُ عن بيتِ وعافية ٍ

وقد غدونا ـ من البلوى ـ مجانينا

 

حبيبتي : أشِـراعٌ دون صاريـة ٍ

يُـغـري الرياحَ فنأتيكم مُـحَـيّـيـنـا ؟

 

همومـنـا قـد أتيناها طـواعـيــة ً

كما الهوى.. وعلى قـسْـر ٍ منافينا

 

ويا " سماوةُ " هل مازال شاطئنا

مُـحاصَرا ًورغيفُ الخبزِ مـسـجونا ؟

 

حبيبتي : لـيـتـنا لم نتّخذْ قـسَـمـا ً

على الوفاءِ وليت الـحبّ يـجـفـونا !

 

بيني وبينك  ليْ سـرٌّ سأفضحهُ :

حينا ً أقومُ .. وأجثو باكيا ً حينا !

 

بتُّ الذليلَ .. أرى وجهي فأشتمُني

وأسْـتحي من حبيب ٍ باتَ ليْ دِينا

 

فيا " سماوةُ " لا زالت جوارحُنا

من بعدكم تشتهي غُسْلا ً وتكفينا !

 

أنا ابنُ حقلكِ .. مدّيْ ليْ بأرغفـة ٍ

سأشكرنّك ِ : خبزا ً كان أو طِينا !

 

                 ***

21/4/ 1991 معسكر رفحاء

من ديوان " هذه خيمتي .. فأين الوطن " الصادر عام 1997

 

    ...............................          

(1) الأحمدان : المراد بهما أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي"  المعري" و أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد، أبو الطيب الجعفي الكوفي( المتنبي )

(2) الغسلين : مايسيل من أجساد أهل النار .

(3) و(4) : مابين الأقوس مأخوذ من قصيدة ابن زيدون

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1474 الاحد 01/08/2010)

 

في نصوص اليوم