نصوص أدبية

علبة أمي الفارغة / عبد الفتاح المطلبي

والأضراس وهراوات بمسامير في رؤسها، كان مؤخر رأسي في تلك اللحظة يؤلمني بشدة وعندما رفعت يدي إلى موضع الألم تحسست دما جافا لكنني لا أتذكر مم كان ذلك ولم أعد أتذكر من أنا وماذا يريد هؤلاء مني، وأظن أنني لا أدري ما الذي حدث حتى إنني عندما سألوني أأنت فلان؟ لم أكن متأكدا، صار يتناوب برأسي النفي والموافقة وكان رأسي كالعلبة الفارغة، قلت ها.. نعم، ربت أحدهم، على كتفي ثم قادني من ذراعي اليمنى ..لا بل اليسرى، الحقيقة لا أعلم أكانت هذه أم تلك، ثم أجلسني على الكرسي الأمامي في السيارة، لابد إنها سيارته، نعم علمت ذلك على الرغم من أن رأسي كان كالعلبة الفارغة، علمت أنها تعود له لأنه بعد إن أغلق علي الباب بحذر شديد دار حول السيارة من جهة الأمام وهو يرمقني بنظرة لا أفهمها ثم فتح الباب وجلس خلف المقود ، أنا بالحقيقة لم أكن أعلم من أين أخذني، وإلى أين يريد أن يذهب بي، حينها لم أكن خائفا لأنني ما كنت أملك خوفي، لم يعد لي أي شيء، ألا ترون، أنا لا أملك كيقية الخوف، كل الذي أستطيع قوله إن رأسي كان كعلبة فارغة، أأنتم تعرفون العلبة الفارغة؟ ها؟ لست متأكدا من إنكم تعرفون العلبة وهي فارغة، لقد رأيت علبة فارغة مبكرا في حياتي التي أجهل كيف بدأت وإلى أين تتجه بي، الشيء الوحيد الذي بقي في رأسي هو العلبة الفارغة ورأسي مثلها تماما.. هل أكون دقيقا عندما أقول ذلك، كيف لي أن أكون دقيقا، هل إن رؤوسكم علب فارغة أيضا، أولئك الذين جعلوا رأسي علبة فارغة، لايسمحون بقول ذلك، لكنهم الآن لا يعلمون فأنا داخل علبتي الفارغة أتكلم كثيرا، الصوت لا يخرج من العلب الفارغة المغلقة، ذلك ماكنت أقوله للذي يقود السيارة، هو لا يسمع ما أقول، أنا أتحدث من العلبة الفارغة، أنا لست متأكدا هل إنني كنت بجانبه الأيمن أم إنه كان بجانبي الأيسر وأيهما الجملة اللائقة، أربكني ذلك وصرت في حيرة، استمرت ترن في رأسي الذي هو كالعلبة الفارغة، التي كنت قد رأيتها عندما حاولت أن آخذ شيئا من النقود التي كانت أمي تدخرها في العلبة ولكنها كانت فارغة، استطاعوا انتزاع كل شيء من علبة رأسي الا علبة أمي الفارغة لم يستطيعوا انتزاعها ولازالت في رأسي، لا شيء آخر فيه، إن ذلك مدعاة لأن يصاب السامع الذي بجانبي بنوبة ما، صداع، أو نوبة ضحك، إنني أرجح أنه لم يصب بنوبة صداع ولا يبدو عليه إنه يضحك، لكن لا بد من نوبة ضحك هائلة بداخله مثلما إني أتكلم كثيرا بداخلي .

وددت لو أسأله عني، من أنا؟ من هو؟ أين كنت؟ وإلى أين يأخذني؟ ولو أجابني ماذا كنت سأفعل بكل هذه الأجوبة؟ عند ذلك أحجمت عن النطق، كنت أنوي لكني امتنعت ذلك لا يعني إنني لم أسألها ، بلى أنا سألت ولكن في داخل رأسي، لذلك فإن الأسئلة موجودة وستكون راسخة منذاللحظة في العلبة، وعندما كانت السيارة تسيرعلى طريق خارجي كنت أشعر براحة، بيد إنني لاحظت إن من أخذني إلى مالا أعلم، كان لا يبدو مرتاحا، ينتابه قلق، ينظر في المرآة التي فوق رأسه ثم يمينا وشمالا بحركات منتظمة عيناي،كانتا ثابتتين نحو الأمام بأتجاه زجاج السيارة الأمامي، سألت نفسي لم ذلك؟ لم علي أن لا أتحرك مثله، وعندما تفقدت اللحظة التي كنت فيها رأيت نفسي بوضوح، رأيت يدي اليمنى تتكيء على ذراع تمتد على طول الباب الذي على يميني ويدي اليسرى داخل حضني، ونظرت إلى الأسفل كانت قدماي قذرتين، حافيتين وكان فرش السيارة رمادي اللون نظيفا، قدماي لم تكونا نظيفتين، أحسست بحرقة اللإفرازات الملتصقة على جفني ورأيت قميصي وسخا فيه آثار دم، ربما كان هذا الدم من جرح رأسي الملتئم، ومن أين صار هذا الجرح ولِمَ ألبسُ هذا القميص الوسخ أأنا شحاذ؟ اانا متشرد؟ أسئلة كثيرة راودتني لكنني وضعتها سريعا في علبة رأسي الفارغة التي تتسع لكثير منها، وعندما نظرت مرة أخرى لقذارة قدمي خجلت، ثم سألت نفسي ولمَ أخجل؟ فأنا لا زلت لا أعرف من أنا، ومن هذا؟ وماذا يريد؟ وأين يذهب بي؟ فقرفصت ساقي إلى أقصى الخلف محاولا إخفاء قدمي لكنني لاحظت أنه هو أيضا لاحظ ذلك، فمد يده اليمنى، نعم اليمنىو ربت على كتفي وهو يبتسم وقال: خذ راحتك سنصل قريبا...، لماذا قال ذلك وإلى أين يريدنا أن نصل؟ أزعجني ذلك قليلا لأنني كنت مرتاحا في تلك اللحظة بعد ما قال لي خذ راحتك، مددت جسمي وكنت قبل ذلك لا أجرؤ على أن أسند رأسي على ظهر الكرسي، قال سنصل، أزعجني ذلك فأنا هكذا أشعر براحة وأعيش بلحظات لذيذة من الهدوء كمن يتذوق حلوى بنكهة طيبة لدرجة أنه لا يريد أن يقضم منها قضمات كبيرة، أتعلمون أنا كنت أريد أن آخذ نقودا من علبة أمي، لم أكن أعلم أنها فارغة أتعلمون لمَ ذلك ..إنني كنت أريد أن أشتري تلك الحلوى من بسطة صبرية داخل السوق، كانت حلوى جديدة لم أر مثلها من قبل، لم أستطع خلال يومين أن أخمن مذاقها، حتى حينما كنت نائما تحت السماء ليلا في حوش الدار، أنظر إلى النجوم التي كانت لامعة وكبيرة، سماء سوداء ونجوم بيضاء ومع ذلك لم أستطع التوصل إلىتخمين مذاق حلوى صبرية إلا بفتح علبة أمي المخبأة جيدا لكنها كانت فارغة كان قاعها أصفر مثل قاع رأسي هو كذلك أصفر، لقد أزعجني عندما قال سنصل قريبا كنت هكذا مرتاحا وكنت أتمنى أن يستمر هذا الرجل الطيب سائقا على الطريق إلى أمام دون أن ينتهي الطريق ودون أن تغرب الشمس لكنني بالحقيقة الان أحتاج إلى أن أحك أعلى ظهري، لم تتحرك يدي اليسرى لتفعل ذلك لأنني ظننت أن الرجل ربما لا يرضى بذلك لكن الحكة بالغت في الألحاح فحككت ظهري بسرية تامة ولما أرجعت كفي إلى حضني لاحظت كم كانت أظفاري طويلة وسوداء ومع ذلك فإن السير هكذا جعلني أشعر وكأنني في حضن أمي قلت له في داخلي لماذا نصل؟ ألا يمكن أن لا نصل؟ أأنت منزعج مني وعندما سألته بداخلي هذا السؤال أجاب بنعم بداخلي أيضا بسبب الرائحة النتنة التي كانت تنبعث مني وعجبت كيف لم أشمها طوال تلك الفترة في غرفة الكلاليب والهراوات إنني لم أقل أنه كان وقحا عندما نبهني بداخلي على عفونتي حيث سألته بداخلي عن سبب انزعاجه مني لأنني بالحقيقة وجدت له العذر وأعطيته الحق فيما قاله في داخلي على الرغم من أنه لم يتكلم قط لكنه كان يبتسم لي وما تكلمت أنا أيضا لكن كلينا فكر في ذلك فجأة سألت نفسي مالذي حدث فأنا لا أتذكر مطلقا بحثت في علبة رأسي الفارغة فلم أجد شيئا وعلمت أن ما لا يوجد لم يحدث، .لم أفهم عندما وصلنا رأيت أناسا كأني شاهدتهم من قبل ولكنني لست أكيدا وكانت إحداهن تزغرد وتنثر الحلوى وقال صاحبي الذي كان يسوق السيارة لأحدهم لقد دفعنا الفدية ولولا ذلك لقتلوه، لم استمر في الإنصات لأن ذلك لا يبدو أنه يعنيني .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1479 الجمعة 06/08/2010)

 

 

في نصوص اليوم