نصوص أدبية
حِكايَـةُ الحاجِّ شِسْـمَه العراقيِّ / فضل خلف جبر
رجلٌ في مقتبلِ العمرِ
قد يكونُ خمسينيناً أو ثمانينياً على الأرجحِ
إلتقيتُهُ هنا أو هناكَ
لا فرقَ،
لا فرقَ إطلاقاً
فكلُّنا مَدْري شِيسَمُّونَّه في النهايةِ
وإنْ بتفاوتٍ
وهذا لا يؤثِّرُ على سياقِ الشِسْمَه
الذي نحنُ بصَدَدِهِ أبداً!
الحاجُّ شِسْمَه نَشِطٌ ودائبُ الحَرَكَةِ
يخرجُ يومياً، بعدَ إرتشافِ دَلَّةِ قهوةٍ كاملةٍ
ليتجوَّلَ في شوارعِ ديربورن وسدني وكراكاس ونيودلهي وأمستردام
ثم يتَّجهُ مثلَ سوبرمان الى شوارعِ لندن ومالمو وويلنغتون وكوبنهاغن
لا يتوقفُ الحاجُّ شِسْمَه عن تثبيتِ عقالِهِ وعباءِتِهِ
ولا يتوقفُ عن الاستماعِ لأخبارِ العراقِ من مذياعِهِ اليدويِّ
وهو يواصلُ تقدَّمَهُ مُتَبَختِراً
مثلَ جنديٍّ في ساحةِ عرضاتٍ
حالِماً بطبقِ رطبٍ برحيٍّ
وماعونِ لبنٍ باردٍ
وفنجانِ قهوةٍ يردُّ الروحَ
الثلجُ لا يتوقفُ عن الهطولِ في مشيغن
والضبابُ كثيفٌ في لندن
والأعاصيرُ مكشرةُ الأنيابِ في النصفِ الأسفلِ من الكرةِ الأرضيةِ
وقلبُ الحاجِّ شِسْمَه يُرعِدُ مثلَ محرِّكِ طائرةٍ قديمةٍ
ربمَّا ألهبتْهُ أغنيةٌ لداخلِ حسن أو حضيري أبو عزيز
ثمَّةَ في البعيدِ تتوقَّدُ نارُ موّالٍ قديمٍ
وسالفةٍ عن السلاطينِ القُدامى كانَ يرويها لحفيدِهِ
إنقطعتْ بسسببِ القَصفِ متعددِ الجهاتِ
قبلَ عشرينَ كارثةً ونيِّف مما يعدّون
دَعْكَ من السلاطين القُدامى يا حاجّ شِسْمَه
فالعالمُ مشغولٌ الآن بحكاياتِ السلاطينِ الجددِ
إستَرِحْ
أيُّها المحاربُ القديمُ
وإرخِ الحبلَ للدموعِ
دعْها تَنهَمِر
نهرينِ من اللَّجاجة والسأمِ
نهرين من أبوذية ودارمي
نهرينِ من الهوسةِ المزنّرةِ بحزامِ البرنو
و..ها خوتي ...ها
نهرين عاصفينِ ينحدرانِ من شوارعِ مشيغن حتى سدني
ومن أمستردام حتى هدأةِ ربوع وادي السلامِ
وماذا بعدُ يا حاجّ شِسْمَه؟
لستَ أوَّلَ مَنْ أُصيبَ بالسرطانِ ولا آخرَ مَنْ يكونُ
والمُهمُّ أن تثبِّتَ عقالَكَ وعباءَتَكَ
في شوارعِ مالمو أو أمستردام أو كوبنهاغن
ديربورن أو لندن أو سدني أو ويلنغتون
لا تدعْهُ ينال منكَ يا حاجّ شِسْمَه
تذكّرْ المثلَ الشعبيَّ
المثلَ الذي كنتَ تردِدُهُ في أوقاتِ الشدّةِ
قد لا يشفيكَ من السرطانِ
لكنَّهُ حتماً سيخفِفُ من وطأةِ البلاءِ بهِ
كانَ الثلجُ يهطلُ بشدةٍ ذاتَ يومٍ كئيبٍ
حينَ غادرَ الحاجُّ شِسْمَه المستشفى
عقالُهُ مازال مُثبَّتاً كما العباءة
ويدُهُ اليُمنى مُتُدَلّيَةٌ من الكفنِ
هكذا أرادَها في وصيّتهِ
لتُحيَّي القلوبَ التي إصطفَّتْ لوداعِهِ
في جميعِ شوارعِ الدنيا!
25/7/2010
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1485 الخميس 12/08/2010)