نصوص أدبية

ما لم توثقه الاواكس.. هواجس الجندي / سلام كاظم فرج

كنت قد تركت كراستي الأثيرة على الطاولة حين هرعت مع من هرع من الضباط والجنود بعد الانفجار العظيم الذي هز البناية التي اتخذ ناها مسكنا مؤقتا..لقد نسيت أمر الكراسة تماما وأنا أخوض في طين العبد لي الرهيب (ألعبد لي وأنا لك..!). ونسيت أمر القصائد كلها والهواجس.. وخواطري الكئيبة والأحلام الجميلة لغد مفترض..لكني الآن بدأت أتذكر كل شيء..وامتلأ حسرة على قصيدتي الأخيرة..لقد تعبت عليها.. وكنت متحمسا لقراءتها بين يدي خطيبتي قبل التفكير بمحاولة نشرها في الصحف..

 لقد راقبت طابور الجنود المنسحبين يجرون أقدامهم من الوحل اللزج والسميك بصعوبة بالغة.. متجهين بحمية يشوبها اليأس صوب تخوم البصرة وقد خضل المطر ملابسهم الكاكي.. وفضل بعضهم إبدالها بما ملكت يداه من ملابس مدنية.. وارتأى بعض الضباط ان من الحكمة خلع الرتب العسكرية وطمرها تحت كعوب أحذيتهم في طين المنحدرات اللزج.كان إخلاء عفويا للصحراء ترعاه  طائرات الهليكوبتر الأميركية..وتوثقه..

 وكان بعض كبار الضباط قد استحوذوا على السيارات السرية.. المخصصة للأيام السود صوب الهزيمة.. وقد سبقونا بساعات .. ربما هم الآن على مشارف بغداد.. لكني ما زلت أخوض في هذا الطين اللعين..

 أرجلنا كلنا ألان متورمة.. تحتاج إلى ماء ساخن وقليل من الملح.. سأطلب ذلك في أول فرصة.. تخلصت من كل أمتعتي..رميتها ورائي دون أي إحساس بالأسف.. أرجلنا متورمة.. الورم يصعد متسللا إلى الأعلى.. كذلك أرواحنا.. تسلل إليها الورم.. مصحوبا بخدر لكنه ليس لذيذا إطلاقا..

 ووسط إعياءنا الذي يقترب رويدا من الإغماء سمعنا إن ضابطا برتبة صغيرة قد أطلق النار فور وصوله البصرة على جدارية فخمة لرئيس الدولة..وأن انتفاضة شعبية قد اشتعلت في البصرة.. لكننا لم نكن قد وصلنا بعد..وكانت صورة خطيبتي تتراقص أمام عيني تراودني مبتسمة أن احتضنها..وكلما اقتربت منها كانت تنسحب إلى الوراء.. عندها أيقنت أني لن ألتقيها قط.....

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1507 الاحد 05/09/2010)

 

في نصوص اليوم