نصوص أدبية
شممت عطرك وانا بعيد عنك / طلال معروف نجم
وشطبتها من مخيلته لتبقى مخيلتها هي العالقة في كل جزء من كيانه. هذا الاكتشاف الخطير اهتدى اليه وهو في الغربة. لا لشيئ سوى انه عرف ان المتزوجة أكثر حنوا وعشقا لحبيبها. قد تبخل به على زوجها او قد تمنح زوجها حبا حقيقيا، ولكنها في النهاية تبقى اكثر عطاءا لعشيقها. ولا تقع البتة في الحيرة ما دامت توزع الحب بالتساوي . أذن المرأة المتزوجة أكثرمن يجيد لعبة العشق والهوى. قد يكون الاحتلال الامريكي الغادر لوطنه شغله فترة من الزمن عنها. ولكن كلما تذكرها لفحته نسائم من عطرها تضوع حياته المتعبة. كل جزء من جسدها مر عليه بسلام الوله. وتمنى لو امتلكت اكثر مما أمتلكت أية أمرأة في الدنيا. فلم يشبع من ثغورها. وحتى يوم كان يضمها اليه، كان يتمنى لو امتلكت ألف ثغر وثغر ليرتوى كفاية . فيلجأ الى أخذ قطعة من ملابسها في كل مرة بعد ان يفترقا. كان يتهكم من مقولة الشاعر الانجليزي بايرون التي تقول " ألا ليت لكل نساء العالم ثغراً واحداً، إذاً لقبّلته واسترحت ". كان كل ما جلب لها معطر جسد ترفض ان تستخدمه وتقول له .
ــ الا يعجبك عطري الرباني ؟
فيرد بأحتجاج .
ــ وكيف ؟. وانا أمر بلساني على كل سنتمتر مربع من جسدك.
فتضحك وهي تقول .
ــ لتتذكر عطري ابدا حتى لو اجتمعت بنساء الدنيا.
*
حدث يوما وهو يمشي في شارع الرشيد بمدينة طرابلس الليبية، شارع أحبه كثيرا لانه حمل نفس اسم أعز شارع في مدينته بغداد . طبعا مع فارق انه لايرقى الى شارع مدينته العزيزة لا من ناحية الطول او الاهمية التأريخية ولا التجارية. ولكنه ظل شارعه المفضل في طرابلس. فهو يزدحم بالمارة وباعة الارصفة وبالسيارات. شاهدها فجأة .. فارعة الطول بفستان اصفر، لطالما أحب المرأة بالفساتين والتنورات لأنها لاتحجب عن النظارة سيقانها، خاصة لو كانت جميلة وأسيلة . وينفر من المرأة مهما كانت جميلة وفارعة الطول، أذا ما لبست السراويل حتى لو كانت ضيقة. ربما سببه انه ترك الوطن ونساء بغداد تميزن بلبس الفساتين والتنورات ايام كانت التنورات قصيرة. في الغربة وجد كل النساء بالسراويل تقريبا. ويوم يشاهد فتاة بفستان او تنورة لايمكنه الا ويطيل النظر اليها بلهفة المحروم. فما أن تجاوزته حتى لفحه عطر تناهى له انه عطر حبيبته البغدادية. ولامس فستانها الاصفر بعضا من اصابع يده. أحس بأن رصيف الشارع راح يتمايل تحت قدميها وتخيلها تقفز عليه بكعب حذائها العالي. حث الخطى ليلحق بها فقد كانت سريعة الخطوات لاتلفت يمينا ولا يسارا، حتى لامس بكتفه كتفها، وقد اطلق العنان لأنفه ان يستنشق ما يمكن ان يستنشقه من عطرها، كما لو ان العالم على شفا ان يخلو من كل الزهور. انتبهت له وهي تقول بلهجة ليبية ودودة تخلو من العصبية، وهذا ما تتميز به جل نساء ليبيا، بالرغم من أصولهن البدوية.
ــ خيرك ياراجل ؟
فرد بجرأة معهودة عنه وبلهجة ليبية غير متقنة.
ــ لا ابدا فقد شممت "صنة*" حبيبتي العراقية فيك.
تبسمت وواصلت طريقها بنفس الحماس والسرعة، فيما واصل ملاحقتها بالشكل الذي كانت تشعر به. كان متعمدا ان يكشف لها عن جنسيته، مستثمرا عشق أهل ليبيا لكل ما هو عراقي. أخذت طريقها بأتجاه شارع عمر المختار وقبل نهاية الشارع توقفت فجأة واستدارت له قائلة، وهي توشر شطر محل خاص ببيع ملابس نسائية.
ــ راجي* .. راجي .. فعندي شغل في هذا المحل سأغيب داخله واعود لك.
غمرته فرحة أيما فرحة، هاهو قد ظفر منها بموعد . وتوقف عن قرب من المحل. ألا أنه شاهد شابا يخرج برأسه من باب المحل كمن راح يرصد المارة. ثم أدخله بسرعة خاطفة، بعد ان اغلق الباب واضعا لوحة تقول ان المحل مغلق. فأنقلبت فرحته الى حزن لفه بالكامل، في التو واللحظة تحرك بتثاقل وهو يردد بحسرة، بعد ان فقد فرصة التضوع بعبق يحاكي عبق حبيبته البغدادية.
ــ وانا سأغيب عنك ولن أراجي.
............
* صنة / الليبيون يطلقون على العطور تعبير صنة
* راجي / باللهجة الليبية تعني أنتظر