نصوص أدبية

الفراشة مرهقة بالحياة

على الطاولة تجلس ُ الأشباح

تكتب لي هذه القصيدة

على الجدار إيقونة معلقة في الفراغ

تـُشبه ُ روحا ً ممزوجة ً برماد

وجدتني هناك محفوفا ً بالوساوس والأسئلة

لست ُ الملاك طبعا ً

ولست ُ الشيطان

لكنْ مَنْ علق َّ رأسي هناك

مَنْ نحته صقله وغلفه بالضباب ؟

مَنْ نفى جسدي إلى مستنقع الفردوس

لينام َّ في جرة الدموع ؟

مَنْ مَلأَّ لي عيناي  بالألوان وكحل العروس ؟

ومن ْ اخذ  نظارتي وأوهامي الجميلة

كمن يسرق ساقية ً من النهر ؟

سرقوا الأمل من حنجرة العندليب

سرقوا قلبي الشاحب

الزهرة التي نبتت بين الضلوع

تَركتـُها هناك بوداعة تموت

الزهرة طارت كما تطير الفراشات

أعلى من الأحلام

الفراشة الطائشة تحوم ُ في الفراغ

تفر ُ من بيت لبيت

تـُفتش ُ عن ضوء

عن رفاق حالمين بالضوء

الفراشة المرهقة بالألوان والعطور

تحن إلى الصباحات والحقول

في السجن تتقمص الفراشة جسدا ً آدميا ً يـُعذب ُ ويـُسحق ُ كي تـُرمى

جثته في الفلاة

النسور تحب لحم الفراشات أيضا ً

الفراشة ترقص فوق بركة النار

طارت من القصيدة

هجرت مغارة الحروف وتركت اللوحة َ ناقصة ً

الفراشة تاقت إلى طفولتها

مرهقة ً هي بالدلال والحياة القصيرة

مرهقة ً بالأسرار وفتنة النظر

كأنها مختالة بالألم

سكرانة ٌ بالشرود والمعنى

لامعنى للمعنى يقول الشاعر الخلاب

ولا معنى في أن تموت الفراشات

ولو في قصيدة

المعنى في الرأس المقطوع

رأس يوحنا المعمدان أو أنسي الحاج

كلاهما معلق على صليب المتاه

لكن القضية أن تكون لك طقوس تشتاقها وأنت في السجن محروم من الكتب وعذوبة النساء

أن تشرب كأس الحليب ممزوجة بالعسل لا بالرماد

أن ترشف قهوتك الصباحية ممزوجة بصوت فيروز

لا بالعويل والدوار والخوف الذي ينهش الإعصاب

أن تمشي لمسافات طويلة ذاهلا ً عن العالم والناس، تـُنزه ُ الأفكارَ، وتتنزه معها على البحر ..

لا أن تـُنزهَكَ الوساوسُ والهواجس في متاهات العالم السفلي

تحتفل بموتك شياطين ُ السجن

وجها ً لوجه أمام الوقت الأملس

رأسك لم يعد يصلح للحياة ولا للموت

رأسك نسيَ أن يقف ولو دقيقة واحدة حدادا ً على حياة

سلخها لص ٌ قاتل ٌ بخفة كائن لايحتمل إغراء الموسيقى

صديقي الذي يذرف وقته الأبيض

في المقهى بصحبة الشعر والنساء

كان معي على طاولة واحدة

وقتها كان عصام العبد الله يفتتح بابَ الضحك

وسيتا تفرط بالعذوبة

كان الصباح يسيل من ريشة بول غيرغاسيان

الصباح بالألوان المائية

كانت الفراشات دائخة ً من السكر

ثملة بالضوء والبنفسج

كان يوم 23 \ 1 الذي صادف في أربعاء الرماد

يوم دهم الأوغاد اللوحة

سرقوني من الشمس والألوان المائية

شلة من عصابة (نبيه بري) مدججة بالموت واللحى المرعبة

كنست الشمس والهواء والضحك

طردت العذوبة والشعر ووقت بول شاوول الأبيض

طردت الفراشات من الحقول

قاتل هوايته خنق الفراشات

والقصاص من العصافير الوديعة

 يطاردني حتى في النوم

 تنقصه روح الدعابة لذلك هو يكره الشعراء

 سوف تطاردك أرواح ضحاياك حتى وأنت في القبر

 سوف يهديك الله جحيما ً يليق بزعيم عصابة

 تذكر وأنت ترشف قهوتك بلذة وهدوء عجيب

ضحيتك وهو يرشف عذابا ً لاتتحمله شقاة جهنم

 أيهما أجمل عندك

أن تنصب َّ هاوية ً لسواك

أو تسكن أنت الهاوية

هل تفضل الذهاب إلى السينما أم تأكل البرتقال في الظلام

هل تهوى ممارسة الجنس مع الملائكة

هل تود أن تـَفصَّ بكارة فراشة

أم جثة ؟

 أأنت بري ٌ أم بربري ٌ

ولماذا لاتحب ُ ضوء القمر ؟

 أأنت قطار ٌ أليف ٌ يحمل كل هذي الأمتعة ؟

 ألديك طريق ٌ سري ٌ يفضي إلى سموات

أو أرض تحضن ُ عزلتك

تـُنسيك َّ على الأقل مشقة التفكير

 ماحاجتك للتفكير بي وبغيري

وأنت محصن ٌ بالحراس وأرواح ُ الموتى ؟

 تعال، أدعوك لفنجان قهوة

تعال لخمس دقائق فقط !

 

شاعرمن العراق

 

..........................

*ملاحظة لابد منها

أمضى الشاعر عشرة أعوام ونصفا في معتقل تدمر الصحراوي الرهيب بعد أن قامت ميليشيا مسلحة يتزعمها (نبيه بري) بإختطافه من مقهى الإكسبرس في بيروت وتسليمه إلى عناصر المخابرات السورية، في تلك اللحظة بالذات كان مع الشاعر إلى طاولة واحدة كل من الشاعر بول شاوول وعصام العبد الله والرسامة سيتا مانكيان . 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1538 الخميس 07/10/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم