نصوص أدبية
امرأة من أثير / علوان حسين
كظل بلا شجرة .
أهي مخلوق من نور أم دخان
أم هي مجرد بحيرة من سراب ؟
امرأة حافية وعارية
ومشرقة وبيضاء كالضباب .
أنثى منحوتة من ماء لا يُرى
وحجر بلا ملمس .
هي إن شئت سنبلة
تنمو في الفجر محملة بالندى .
هي غيمة من بنفسج .
عيناها بلون الربيع
شعرها يُشبه ُ الريح
وضحكتها من مطر .
امرأة حقيقية كالندم ،
وحزنُها عميق ٌ كالألم .
أستطيع أن أحملها في قلبي
كجرح مفتوح
كبركة ٍ ، كشهقة ٍ ، كرمح ٍ ينبت ُ بين الضلوع .
أستطيع أن أطويها
كدمعة ٍ بين الجفون .
كحزن ٍ متجعد ،
كيأس ٍ لا حدود له .
امرأة أخاف عليها ،
خوفي على طفولة ٍ تسبب الحرمان .
خوفي على العصفور من الحنان .
خوفي عليها من الزهور والغروب والقمر .
خوفي من شغفي بها ،
ومن سعادتي بها وحزني عليها .
أخاف عليها من الصباح
ومن جمال عينيها .
أخاف من حبي أن يتحول إلى طيش ٍ
وقلق ٍ ووساوس . .
أخاف عليها وهي وحيدة ،
أو هي وسط الأمواج ،
والأرواح من حولها ،
والناس لم يتحابوا بعد ،
وإن تواددوا أخاف عليها من الود ،
وإن تبغاضوا أخشى عليها
أن تتمزق من عدوانية الآخرين .
أخاف أن يسرقها الشمعدان ُ كونها رقيقة كشمعة ٍ ،
وتحترق في الليل .
آه كم أخاف من ريشة الرسام وألوانه ،
أخشى أن تحتلها اللوحة ُ ،
ويأسرها الخيال ُ.
تفر مني وهي أشبه ُ بصلاة في العراء .
أخاف عليها من الشهوة أن تتبدد
أو تصير حفنة ً من نور ٍ .
أخاف عليها أن تجوع
ولا تطلب سوى الورد والموسيقى .
أخاف عليها أن تلتهم َ الأحلام َ
بدلا ً من النجوم والعاصفة .
أخاف أن يسرقها البحر ُ
لأنها عارية وممتلئة .
لأنها ناهدة وطرية
شبقة ومعربدة وضاحكة .
مجنونة ووحشية ومستبسلة كالموجة السابحة فوق الصخور .
أتزوج امرأة تولد من جوع ٍ
وظمأ ٍ وحمأ ٍ ورحيق ٍ .
مصنوعة من كروم ٍ ،
تـُسكر ُ كخمرة ٍ وتـُدوخ ُ كفكرة ٍ
وتخطف ُ كمعجزة ٍ وتـُحرق ُ كسعادة ٍ مباغتة ٍ .
امرأة أهديها في كل
صباح ٍ شمسا ً تضحك ُ لها ،
وتلاطفها كما يداعب ُ النبع ُ عشبة ً مستسلمة ً للرقاد .
لا أملك سوى خزانة ممتلئة بالدموع ،
وعينين متضرعتين وقلب ٍ خاشع .
لكنني أخضب لها قلبها بالحنان ،
ووجهها بالقبل .
أسقيها القربان وأولمها لحم الفراشات الطري،
وأصوغ لها قصائد تلبسها قمصانا ً .
كنزة من روح ترتديني لو شاءت .
أغرق ُ في سراب حبها ،
أدع ُ الزهور أن تبوح َ لها
بالأسرار والكلمات والعاطفة .
أجن ُ من أجل أن أحبها بجنون ،
وأقول ُ لآلامي أن تضحك َ .
أقول لها أن ترقص وتتعذب وتصعد تهبط ،
تطوف في الشوارع .
أن تـُصلب وتجهل ألمها وتغور ،
كي تظل َ محبوبتي متوردة المزاج ،
منشرحة كساقية من حرير .
سأحبها زوجتي كمريض يحصي أوهامه
على سرير ٍ وحيد ٍ وينتظر الأمل .
كعاشق ٍ على موعد ٍ مع العاطفة ،
وعاشقة تبصر ُ صورتها في دمع عاشقها وتبتسم .
سأتوغل ُ في غابة ٍ بلا قمر ٍ ولا حبيبة .
أنتظر امرأتي في الهزيع الأخير من الحلم ،
كي أشكو لها اليتم ،
وأسكب فوق يديها مطر الشتاءات الطويلة .
أحدثها عن الذكريات والثلج ،
عن الكناري الذي إنتحر وضاع في الضباب .
عن فمي الذي يقضم ُ البرد َ والهذيان .
أسليها بالحب ..
حبي الذي أسهر ُ عليه ، عليها ،
وأطعمُه ُ قلبي لئلا يشعر ُ بالوحدة .
يكبر ُ على إيقاع نهديها ،
ويمشي ليكبر َ ويصف خساراته ويعددها
كي ينثرها حروفا ً في قصيدة .
أرصع ُ لها ضحكتها باللؤلؤء ،
وصمتها بالعطور .
أسرق ُ لها من المعاجم
كلمات ٍ تتهدج بأسمها ،
تدعوها فتجيء
أسرابا ً من معنى .
تدندن ُ لها موسيقى قمرية ،
أو لأقل فذة ومرحة ً
كجسد ٍ يصحو من الحب .
كامرأة ٍ تنام في جسد عاشقها ،
متدثرة بحلم ٍ وقُبل ٍ تلمع ُ فوق الشفاه .
أُنّضج ُ لها الصبوات
وأصطاد ُ من الشجر فراشات وشدو عنادل ،
وشذا وردة ٍ ترعى في هبوب نسيم فتنتها .
شاعر من العراق يعيش في كاليفورنيا
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1541 الاحد 10/10/2010)