نصوص أدبية

صفقة مقايضة ثمنها فحولته / طلال معروف نجم

فالرجل بطبيعته ميالا الى التفاخر بفحولته، عكس المرأة التي تنعت بالمرأة الباردة الشعور، لاتعير أهمية لذلك البتة.  ربما أنها لاتشعر ببرودتها وميلها الى الرجل، أو لا تكترث لهذا الهم. وهناك من تشعر بالخجل لو افصحت عن علتها. الا الرجل فهو دائم الحركة للحفاظ على استمرار فحولته . وقد تكون أمراض الحضارة قد سلبت كثيرا من رجال الدنيا فحولتهم مبكرا، وهم في سنوات الشباب. هناك من يستسلم للأمر، ويكتفي بما منحه الخالق من صحة لباقي أعضاء جسده. وهي فلسفة بحق تهدئ من ثورة هذا النوع من الرجال . ألا ان البقية منهم من يظل دائم الشكوى . والجري وراء من يساعده على ارجاع فحولته، سواء بالطب او الشعوذة. الا هو فطوال عمره كان يبحث عن الثراء، وقد يكون غريبا في طلبه. ويكاد ان يقرب من الزهاد، بالرغم من انه لم يكن متدينا. ولا يؤدي فرائض دينه . إلا أن المعروف عنه انه خير من يؤتمن على كل شيء، بإستثناء المرأة فلا يمكن الإئتمان عليها منه . فهو لايستطيع كبح جماح شهوته للمرأة . وطبعا ليست اية أمرأة . فالمواصفات عنده غريبة ايما غرابه. فهو يهيم بالمرأة المتزوجة التي تتسلل الى خدره خلسة. او يتسلل اليها هو في المكان الذي تنشده. فمع المرأة المتزوجة يستعرض أمكانيات فحولته، ويريها الفروقات التي يتحلى بها عن زوجها. خاصة المتزوجات الجاهلات بالجنس الحديث . فيرين عنده ما لم يرينه عند أزواجهن . فهو من كثرة ما شاهد من افلام جنسية، كان يطبق كل ذلك مع صديقاته . فالخبيرة الملمة بكل فنون الجنس، تجده نعم الفارس الذي يشبع رغباتها، وقد يتفوق على زوجها في مناح كثيرة . وهذا ما يشعره بالفخار والنشوة . أما الصديقة التي لم تر الدنيا من الخارج، فتجد فيه العالم الاخر الذي تتوق الى الوصول اليه. فمنهن من تقول له بأنها وجدت عنده، ما لم تجده عند زوجها، بالرغم من كل السنوات التي مضت على زواجهما. كل ذلك يمنحه الثقة بأنه آخر الرجال الملمين بسبر غور المرأة المتزوجة. كان يميل الى صداقة الرجل المتزوج ليصل الى زوجته . فهو يختار نوع الرجل المناسب للوصول الى زوجته. قد يغريه بتقديم أستشاراته الجنسية له مجانا. او يهوسه بعرض أحدث أساليب المضاجعة المناسبة. فهنالك رجال ينقلون لزوجاتهم مثل هذه الروايات، من باب استرضاء الزوجة، خاصة اذا كان لايملك الحظوة عندها،  وهذا ما يشجع الزوجة، على التعلق بالصديق الخبير بهدف الولوج الى عالمه الذي صارت تتشوق اليه، وتعمل المستحيل لتصل الى هذا الصديق. انذاك لاتبخل عليه بكل شيء. فترى عنده ما لم تره عند زوجها.

                                       *

سنوات العمر تتقدم به بوتائر سريعة، وهو لما يحقق شيئا في هذه الدنيا، سوى صحبة النساء ورضاهن عليه. لم يعرف عنه أنه استغل صديقاته ماديا، فهو بحق يقرب من الزهاد، فقط ناقصا ضعفه امام المرأة . لقد شارف على الخمسين من العمر. وهو يحسب يومه بتوجس وخيفة من الغد . ولا بارقة أمل ان يضمن غده برغد الميسورين . لا برغد الاثرياء الفاحشي الثراء. مازال في قوته وعنفوانه ومسحة الشباب تمنحه القدرة على ان يحلم .. ويحلم .. ويحقق ما يصبو اليه . فالثراء آواخر العمر هو جل ما يصبو اليه. فهي نعمة من نعم الله، ان يموت الانسان وهو يتكفل بكل مصاريف الرحلة الى دار الاخرة. لا ان يشفق عليه اصحاب الرحمة. او تتكفل به بلدية البلد الذي يعيش فيه هجرته القسرية، التي طالت واقضت مضجعه. فتقادم العمر والغربة والوحدة، ما ان تعصف برأسه حتى يتراجع وما يلبث ان يتذكر، بأنه أفضل من مواطني وطنه العراق الحبيب، الذين يعانون الغربة وهم على تربة وطنهم. والخوف اصبح رديفهم منذ ساعات الصباح ولغاية العودة الى بيوتهم .

                                     *

كان يردد على كل اصحابه فكرة ان يتخلى عن  فحولته مقابل الاثراء. فيقابل تهكمهم بعدم الاكتراث . فأصحابه يعرفون جيدا هوسه بالنساء. وما يسمعون منه  يعتبرونه مجرد تخاريف لا اساس لها من الجدية. الا ان الفكرة راحت تطارده طوال ساعات اليوم، ولاتفارقه حتى يغوص في نومه . العجيب انه ينام أكثر من تسع ساعات، على خلاف نظرية ان كبار السن لاينامون أكثر من ست ساعات . أحلامه تكاد لاتخلو من مرور صديقاته عليه. يضاجعهن حتى في هذه الاحلام . يصحو من نومه وهو في غاية السعادة والنشوة، فرفيقه الذي يمنحه المتعة صلب صلابة العود . اعتاد ان يتحسسه ليطمئن عليه، وهو يردد مع نفسه " مستعد ان اتخلى عنك لو اغدقت السماء عليّ بالمال" . فهو مؤمن بأن الاحلام تعين الانسان على الصمود فترة أطول . حتى لو لم تتحقق فسوف تعينه ايضا لحظة ان يلفظ انفاسه الاخيرة. أذن لاغضاضة ان يواصل هذا الحلم المستحيل . فأقل الاشياء انه قد يعثر على بعض المال، وهذا ليس ببعيد عن رحمة الله، خاصة وان رصيده في البنك شارف على النفاد، بما لايمكنه أنذاك من مواصلة حياته في الغربة. فهو جبل ان يحيا حياة المترفين . حتى جيرانه في العمارة التي يشغل شقة صغيرة فيها، ومنهم اصحاب العمارة، يرونه صاحب دخل لا يتوقف. أنيق في الدوام والاستمرار. فلو هبطت عليه اية ثروة ما في اي وقت، سوف لاتثير الانتباه لمن حوله. وهو سعيد أيما سعادة بهذه الصورة المرسومة عنه.

                                      *

خلد الى النوم ذات ليلة وهاجس الخوف، من ان رصيده في البنك لم يبق منه غير اربعمائة دولار فقط . يعني ما يكفيه لشهر واحد . فهذا المبلغ بالكاد أن  يسد احتياجات الشهر من ايجار وفواتير انترنت وكهرباء وتلفون ارضي وأكل . غط في نوم عميق .. لم يستيقظ خلال ساعاته الطويلة لحظة . وفجأة أستيقظ فزعا وهو يرتعد من الخوف، خوف لم يألفه يوما. فسنوات الغربة الطويلة والوحدة والوحشة، لم تجعله ان يخاف من اشباح او عفاريت . كما ومادام في بيته، وقد احكم عليه الابواب والشبابيك فلا خوف من اللصوص . أذن لم هذا الخوف ؟ .. ايرعبك حلم ؟ . وانت الذي تمنيت ان يكون حقيقة يوما ما ؟. تحسس رفيقه العزيز جدا عنده، فساء ما وقعت عليه يده، فوجده بلا حركة . كأنه هو الاخر أرعبه الحلم . فتساءل بوجل مشوب بشيء من البهجة " هل حقا ما طرحه الشيخ المهيب من انه عقد معي مقايضة ثمنها موتك يارفيقي ؟". ترك غرفة نومه وهو يعيش لحظات لم يعرف كنهها حتى اللحظة . تناول فطوره بدون شهية خلافا لما جبل عليه . وقرر ان يغادرالشقة فورا ليذهب الى البنك، ليسحب آخر مبلغ عنده، يعني ان يغلق حسابه نهائيا. ترى هل ضحك عليه الشيخ المهيب صاحب الوجه المنير؟ . أين المبلغ المقابل لهذه المقايضة ؟. ترى هل سيعثر عليه في طريقه ؟ . وكيف وان جيشا من المنقبين في هذه المدينة، دأب ان ينبش كل ما في حاويات القمامة . فأنى له انذاك ان يعثر على كيس مملوء بالثروة على رصيف ما. او طرقة ما. او زاوية منعزلة. وكلها يتم تمشيطه من قبل هذا الجيش في الصباحات الباكرة، لا وبل طوال اليوم.

                                    *

دخل البنك متثاقلا يخيم عليه الخوف. ولحظة ان استلم الدولارات الاخيرة من رصيده، لجأ الى موظفة مراجعة الرصيد كعادته، بالرغم من علمه ان لا دولار امريكيا بعد الان في رصيده. وما ان استلم ورقة الرصيد طواها وهم بترك البنك، على اساس ان يرميها في حاوية القمامة القريبة من البنك، ولا يعلم سببا لسقوط نظره على الرصيد، فأذا به يجده مزدحما بالارقام التي لم يفقه عددها. فعاد ادراجه الى الموظفة، يطلب منها ان تقرأ له رصيده قائلا بأدب جم .

ــ لو سمحت فأن نظارة القراءة ليست بحوزتي الان، فأرجو منك ان تقرئي رصيدي .

فردت عليه وهي لم ترفع نظرها عن الورقة.

ــ خمسة ملايين دولار

صمت وهو يسحب الورقة من الموظفة، تاركا البنك بكل رباطة جأش . وما ان صار في الشارع حتى تسمر في مكانه، واطلق ضحكة مدوية لفتت انظار المارة وهو يردد مع نفسه " الحمد لله أنها نعمة منه، والافصاح عنها جنون مابعده جنون".

وما لبث ان القى نظرة على رفيقه الخامد قائلا له :

" الوداع الى آخر العمر يارفيق الفاقة، سواء استيقظت أم لم تستيقظ فسيان عندي

الأمر" ..

 

 

 

 

في نصوص اليوم