نصوص أدبية

المضطهد / طلال معروف نجم

 فيما وقف على الجانب الاخر صديقه وشريكه في العمل. يمسك بيديه يدللهما دلال حبيبة لحبيبها. الكل كان يحسده على الزوجة الرائعة الجمال. والصديق المخلص الوفي. أما هو فلم ينبس ببنت شفة. بل ظل في صمته مستسلما للمسات اصابع الزوجة التي تمر على جبينه وصدغيه. ودعكات يد الصديق الوفي ليديه. الجميع راح يراقب هذا المشهد النادر. فمنهم من مصدق لهذا الوفاء. ومنهم من مستغرب. ومنهم من حاسد على مريض يستعد للقاء ربه في الفينة بعد الاخرى، على مثل هذه الزوجة الضاربة في الانوثة والوهج. وصديق لايشك في نزاهته واخلاصه لصديقه الراقد على فراش الموت.

تمتد صداقتهما الى أكثر من ثلاثين عاما. مزدحمة بالعمل التجاري الناجح. كان الصديق جزءا من البيت كل البيت.. بكل مفرداته.. أعزب لم يتزوج رغم بلوغه العقد الستين من العمر. أي بعمر يحاكي عمر الزوج. لايقل وسامة ونضارة عن الزوج. فكلاهما نجمان مشعان في الحياة بكل انواعها. من يراهما لاول مرة ، يظن بأنهما أكثر من شقيقين من أم وأب. في البيت للصديق الكلمة الطولى. تسري على الزوجة والاولاد. حتى على أكبر الاولاد سنا. الذي هو في السنة الاولى في الجامعة. وعلى البنت التي هي في السنة الاخيرة في الجامعة. أما الصبي الذي في العاشرة من العمر، فهو حبيب عمو الصديق. لصيقه ويكاد لاينفك عنه الا عند النوم.

تململ الزوج في سريره. مصحوبا بأنات وجع ، فأستيقظ الجميع من ذهولهم. فسارعت الزوج الجميلة متسائلة

ــــ سلامتك ياحبيبي

فرمقها بنظرة من هو آسف على فراقها. هل حقا ستفقدها الى الابد؟.. ستوحشك ليالي القبر المظلمة. كم انت راغب الساعة الى حضنها. عذبة.. لذيذة.. تغوص في اللامنتهي عندما تضاجعها. عندما تمر على جسدها البض تنهل من عبقه رحيق الزهور. أحب فيها كل شئ. بالمقابل كانت تحب لحظات الفراش معه. تذوب معه أيما ذوبان. لم تخذله فحولته حتى آخر لحظات المرض. قوي متماسك لايتبرم من شئ وهي بين حضنه ، إلا من رائحة الفراش ، إبتداءا من الوسادة الى الشراشف التي تغطي السرير. والاخرى التي يتلفعان بها. رائحة ألفها من سنوات طويلة. كانت تقض مضجعه ، كما لو ان الكون قد خيم عليه وحش كاسر راح يزفر بهذه الرائحة القاتلة.

ترى من الذي يرغمك على ذلك؟. أأستهوتك هذه الرائحة الغريبة؟. وهل أصبحت جزءا لايتجزء من حياتك؟. ليس بمقدورك ان تلفظها؟. أي قوة جبارة هذه التي ترغمك على الاستسلام؟. اللعنة على العجز الذي أرغمك طوال هذه السنوات الثقيلات على تحمل وضع ، إستسلمت اليه صاغرا.

أجال النظر بمن حوله بأكفهرار ممزوج بغصة. ومالبث ان زفر زفرة ، خالها الجميع بأنها سكرات الموت. إلا انه تمتم بما يشبه الهمس. فمالت الزوجة اللذيذة برأسها الى شفتيه ، لتلتقط منه عبارة "ليخرج الجميع من الغرفة " ثم أضاف " حتى أنت ". ومال برأسه الى الصديق العزيز، وأمسك بيده وهو يهز برأسه الى الاسفل ، دليل على انه يريد منه البقاء معه اللحظة.

خرج الجميع حتى الزوجة الحبيبة. وأغلقت الباب عليهما. فأومأ الى صديقه الى ان يقرب رأسه منه. وماأن إستجمع قواه وعض على شفته السفلى بقوة ممزوجة بحرقة قال لصديقه.

ـــ أسمع سأتكلم ولا تقاطعني.

فرد الصديق

ــــ حاضر ياعزيزي.

فقال الزوج بقوة

ــــ أريد منك الزواج من زوجتي بمجرد ان تتم مراسيم الوفاة.

ثم أضاف وقبل ان ينبس الصديق بكلمة.

ـــــ أنا أعرف بأن اولادي من صلبك. ولطالما شهدتكما على فراشي. وكل ماأرجوه منك ان تكتم الامر عن زوجتي والى الابد.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1561 السبت 30/10/2010)

 

 

 

في نصوص اليوم