نصوص أدبية

اخر الأحلام / جاسم الصافي

فألقت جسدها على السرير وأخذت يدها تزحف مثل الأفعى وهي تتفحص تضاريس جسدها وحين تلمست وجهها قالت

: ــ آه لقد نحت عليك الزمان علامات جديدة

فتح هذا السؤال باب في ظلامها وراح الدمع ينزلق من رحم عينيها بعد أن أذابته مرارة الندم فكان يشق طريقه بين تلك التجاعيد التي رسمها الزمان

لحظتها لمع بريق الأماني الذي دفن الزمن مع  روحها، هل من الممكن أن ترجع تلك الأيام بعد أن تحولت أطلالا من الأمنيات، وصارت ألان مجرد ذكرى شكلتها فرشات العبث، أذابت معها ذاك التأمل وتفجرت تلك الصور على حقيقة طالما رددتها، أن الوهم هو وقود البقاء

جفت ذاكرتها بعد أن تبخرت منها منابع الأماني وأسرتها ليالي النسيان لتصبح هكذا مثل الأشجار حين تموت واقفة تجف منها الحياة يوما بعد يوم، لذا عليها أن تتحرر من رعب الآخرين وان تمطر سمائها بحلول كثيرة لكن بابا واحد هو الذي يرتسم لها في الأفق وان أغلق سيغرق رجاءها وتضيع هي في يأس يدفن ما تبقى من  أيامها. الحل الوحيد هو أن تتحرك بسرعة حتى وان اأضطرة أن تطلب منه ذلك!!! اجل وماذا يعني إنها تحمي باقي أيامها وتكتب لنفسها عمرا جديد، لكن الانتباه أصاب أكتافها بقشعريرة.

لا يمكن لشيء أن يمسح تلك الخزعبلات التي في رأسها فهي دائما تنفض أحلامها على هذا السرير وتعزي نفسها بافيون بالانتظار.

هاهو مرة أخرى يخطو نحوها وتذبحها ابتسامته التي تورق في نفسها رقصات كانت ضيعتها فيسحقها بنظرات تحيلها إلى عالم أخر يوقف كل محاوله وتبقى هي في مواجها سهام لا ترحم تنبت في الأحشاء وتخرج القلب عن مداره الكوني إلى خارج إضلاعها، لا يمكن أن تكون نظراته هذه بريئة لقد طفح الكيل ففي كل مرة تتساءل ماذا ينتظر، لقد قدمت له كل التسهيلات وهي مستعدة لما هو أكثر حتى لو كان للذهاب إلى أخر الدنيا، قالت في نفسها

: ــ تكلم ما عاد يهمني شيء تكلم قبل أن اسلم نفسي إلى أول جزار يطرق الباب على والدتي

اتكأت على موقف الحافلة وتركت جسدها ينتصب على قدم واحدة مراقبة تلك الوجوه المتكررة كأيامها ، فتحت حقيبتها لتخرج أجرة الحافلة كي لا يصعب عليه ذلك في ما بعد، فوجدت ورقه صغيره في داخل حقيبتها مكتوبا عليها ( لا تركبي أرجوك انتظريني ) تسألت في نفسها وعيناها تتتفحص كل ما حولها حذرا من أن يكون هذا لأمر مفتضح، من الذي يلقي بورق هكذا وفي داخل حقيبتها، لم تجد تفسيرا غيره

: ـــ نعم هو حين مره من جوارها ونظر أليها بتلك الطريق من يكون غيرة 

 : ــ هل انتظره؟ نعم ولم لا صحيح أن أمي ستوبخني لأنني  تأخرت، لكنها دائما هكذا هي حتى بعد ان أصبح عمري في الثالثة والثلاثين وهي لازالت تقول ( أن المرآة عرضه للخطيئة أكثر من الرجل حتى وان أصبحت عجوز ) لن أفوت هذه ألفرصه علي أن اصبر، وأنتظر

كانت دائما تظن ان أوهامها هي التي تخلق لها هذه الأحاسيس، لكن ألان ما عاد للشك وجود نعم فهو ينتظره من وقت طويل، قالت

: ــ صحيح انه لم يكلمني لكن كانت نظراته خير مرسال أتمنى أن اسمع صوته ماذا سيقول لي، شعر ام سيكون مرتبكا ومتلعثما في كلامه، أتوقع إن يكون صوته كما تخيلاته ربما سيغني لي اجل ربما ولكني سأضل صامة نعم هكذا سأكون أريد أن أتشبع في معرفته حد التخمة .... أوه يا لي من مزعجه ومتصابية لازلت احلم في عمر الصبا كنت قد دثرت هذه الأحاسيس من وقت طويل لماذا ألان تشتعل كلها في داخلي.  كانت خطوة جريئة منه أن يضع الرسالة ولكن لم تكن ذكيه لا اعلم كيف استطاع ذالك وإمام حشد الناس يا ترى هل شعر احدهم بذالك لا لا لا اعتقد لابد أن يكون قد راقب الجميع قبل أن يخطو خطوته المجنونة هذه نعم انه حذر فهو من النوع المحترم والذي يخاف على مظهره أمام الآخرين.

انتظرة طويلا حتى اتلف الانتظار الكثير من أمانيها وبدأ يتسلل الملل إليها ويعبث في عقلها المتورم وهو ينبت ألغاما من الاحتمالات وجيوشا من المخاوف، لكنها ولأول مرا تتحدى أفكارها ومخاوفها وتنقاد خلف أحاسيسها كانت تقاتل كل تلك المحاولات التي تفسد نشوتها الا ان ما يحصل يضفي انتعاش تتمنى أن تتمسك به وتسحبه إلى ذاكرتها كي يكون رصيد من أمانيها.

جاءت الحافلة وصعدا الجميع أما هي بقيت جامدة وشاردة إلى عالما أخر عالما لا تشعر فيه بما حولها، وإحساس الخيبة يجلدها في كل حين برعب الانتباه. إلى أن أدركت أن انتظارها أصبح مخجلا ومكشوف أمام الآخرين.   تحكم بها عقلها وحركها من تسمرها خطوا مرتبكة والحفتها الثانية المثقلة بالتردد وهنا اعترض طريقها جسد لو كان ما اعترض طريقها ( همر ) أميركي لما أرعبها بهذا الشكل تدرجت عيناها متسلقة ذالك الجسد إلى ان وقعت على عينيه كان يحدق بها وهو يبتسم ابتسامته حزينة تحمل معه سرا غريب، كم انتظرة هذه اللحظة التي تطول عمرا نعم فهي ليست من عمر الزمن أنها لحظه من زمنا أخر تحضر معه كل الأماني فتكون زبدا فوق هذا الوجود كانت تتمنى أن تعتلي هذه المشاعر الى اخر قمتها، لكنها دائما  تفشل أمام ارتباكها المزمن، شعرت ان خيوطا تتحرر من مشاعر ولا يمكن الإمساك بها فهي تنمو مسرعة وتعشش في كل إبعادها.

لم يتكلم بقي صامتا، وكانت هي مستعدة أن تتكلم بدلا عنه أو تشجع على الأقل، لكن امسكها الكبرياء عن ذلك وأخيرا تفجرت اللحظة حين أدار وجهه وابتعد عنها ماذا جرا هل يجب إن ترتجل من نفسها موقفا لتلحقه مثلا، هل هذا يعقل انه كان هنا وهو ألان يذوب أمام ناظري مبتعدا، هل كل هذا أكذوب لا يمكن أن يكون كذالك ربما حصل شيء لم تنتبه إليه جعله يهرب هكذا أو انه أشار إليها أن تتبعه كلا لم يفعل ذالك بقيت جامدة هكذا إلى أن تكسر جليدها على صوت أرعبها في ظهوره المفاجئ وهو يقول لها

: ــ  ماذا تفعلين هنا

 وحين أدارت وجهها إلى الصوت تنفست الصعداء أنها زميلتها لم تجبها فأكملت صديقتها

: ــ انه لن يستطيع أن يكلمك لقد رايته يقف أمامك

 أدهشتها تلك الكلمات من صديقتها هل كان الجميع يعرف بأمرها ومن غير تردد تجرأت لتسال صديقتها

: ــ لماذا

: ـــ لأنه اخرس

 نظرت وكأنها تبتلع تلك ألكلمه الضخمة وأدركت الصديقة صعوبة ما قالته فأعادة جوابها

: ــ نعم انه اخرس

 لم تتكلم بعد ذلك انسحبت دون أي كلمه انسحبت كما تنسحب منها الروح والأماني وإقدامها ثقيلة بالخيبة فراحت تتعثر فوق أشلاء ذاك الحلم.

 

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1569 الأحد 07 /11 /2010)

 

 

في نصوص اليوم