نصوص أدبية

صفحات من سيرة المبروكة

إلى أن كان زفاف ابن خالتي حليمة، جاء بعد شهر من تلك الحادثة، حيث تغير فيه حال الناس وأصبحوا في حال أخر وكأن كابوسا قد أزيح عن صدورهم، تجمعوا في ليلة مقمرة .. هكذا تعودوا .. أن يصبح القمر بدرا ثم يمضوا في أفراحهم، كان عرسا لم تشهده القرية من قبل، فالعريس وحيد أبويه.. في الخامسة عشرة من عمره، أقسم أبوه بأن يزوجه الثانية قبل أن يبلغ العشرين وبعد ذلك يصبح في حل من أمره، إما يثلث أو يكتفي .

أصبح القمر بدرا، فأضفى على الكون نورا أزال عتمته وحجب عن ليله وحشته، انطلق السامر فامتشقت أم العريس سيفا مرصعا،يقال أنه لأحد أجدادها الذين حاربوا مع صلاح الدين، كانت في العقد الرابع من عمرها، فارعة الطول ناصعة البياض، يزنرها حزام ذهبي، فأضفى على ثوبها المطرز بريقا خاصا وألقت على شعرها الفاحم منديلا موشحا بخيوط الذهب،فعجز عن إخفاء خصلاته المنسقة على نحو ملفت، التهبت الحلقات لمرآها وعلا الغبار من تحت الأقدام المتراقصة بالشمالية حينا وبالدلعونة حينا أخر، في حين ظلت الحناجر تصدح بألوان الغناء والمرأة تتمايل على إيقاعها ملوحة بالسيف تارة وموهمة بالإغارة تارة أخرى .. اشتد الحماس بالراقصين، فاندفع ابن فهيمة شاقا طريقه إلى وسط الحلقة، امتشق سيفا وراح يدور حولها، تمايلت كعود ريحان تداعبه النسائم، اقترب منها ملوحا بالسيف،متثنيا على إيقاع الكلمات التي تصدح بها الحناجر المنتشية طربا، هاشت عليه بسيفها، فارتد قليلا إلى الوراء .. دار حول نفسه كثور في حلبة صراع، ثم انقض عليها شاهرا سيفه .. تقاطع السيفان .. دفعته إلى الوراء .. التهبت الحلقة مرة أخرى .. تعالت الصيحات .. اهجم يا علي .. اهجم يا ثور، تعالت الزغاريد .. هاج الثور .. قفز في الهواء .. حام في الحلبة، ثم وقف في وسطها وصاح بأعلى صوته: أوف، فجاء الصوت ممطوطا من خارج الحلبة: أوف .

- أوف يا قلب من ظلم الخوالي وعشق الحسن وسهر الليالي .. قلت لك يا قلب خليني لحالي ولا تشمت بي العدا .

صدحت الزغاريد من جديد، وتعالت صيحات الإعجاب بالتهليل والتصفيق، ملهبة جذوة الحماس التي استعرت بعلي، فأعاد الكرة مرة أخرى: إحنا اللي زرعنا الصحرا دوالي وبنينا فيها قصور بالعالي وعشانك ياولف قتلنا الوالي ولو كان الحكم حبل المشنقة .

 أيام ودب العويل بعدها في بيت فهيمة .. تسارع الناس يستطلعون الأمر .. تحلقوا أمام الباب بعد أن امتلأ الحوش بمن فيه، وكل آت جديد يسأل من بعيد: أيش الدعوة؟ .

- الثور..

- مات !!

- يمكن .

- كيف؟

- جابوه الرعيان محمول ع دابة بين الحياة والموت .

شهر والثور طريح الفراش .. تداعى له الشيوخ والدراويش، حتى أن جدك أرسل في طلب حكيم المستشفى لأكثر من مرة والكل قلق خائف على مصير بدأت ملامحه القاتمة تلوح في الأفق، لكن خوفا أخر أصبح حاضرا وكأن الخوف يستجلب الخوف، خصوصا حين راح الناس يربطون بين ما حل بعلي وكاد أن ينهيه وبين تباهيه بقتل الوالي، وهذا بدوره لا يعني سوى شيء واحد، وهو أن الوالي لم يمت وأن له عيونا في البلدة ترصد وتتابع بصمت، وإلا لم كان ابن فهيمة المستهدف من دون أهلها جميعا ! .

 هذا ما قاله الراعي بعد أيام من الحادثة، حين توجهت إليه بالسؤال مستوضحا حقيقة ما جرى: قصد علي الوادي لقضاء حاجته .. لم نعر الأمر اهتماما ولكن بعد لحظات علا الصراخ من جهة الوادي .. جرينا باتجاه الصوت .. حسبناه قد لدغ أو كسر ولكن حين اقتربنا أكثر، فر من قعر الوادي ثلاثة فرسان واتجهوا شرقا، بينما ظل علي ملقى على وجهه جثة تضرجها الدماء ولولا بقايا أنفاس يختلج بها صدره لحسبناه قد مات .

ذات الأمر سمعته من أبي، حين كان عائدا بصحبة جدك من دار فهيمه، سمعته يهمس بشيء من الخوف والأسى: يا خوفي ليموت الشاب بلا ذنب ولا جريرة .

- الأعمار بيد الله ولكن اللي يحز في نفسي، أن يطعم الواحد نفسه اللي ما أكله .

- أتظن أن أتباع الوالي هم اللي عملوها؟ .

- بالتأكيد .

- يبقى لازم نحذر .

- لا عليك .. فالوالي ومن ولاه صاروا من الماضي .

- كيف؟ .

- ما سمعت أن الإنجليز استولوا على واد غزة؟.

 - هيك يعني ..

- ها .. ولا بتفكر أنه مشي بخاطره؟.

- حسبته مات ولا هرب حياء بعد اللي شافه منا؟.

- خليك أعقل من هيك .. هذا شكل يخاف ما يستحي .

لم أكن قد سمعت بشيء أسمه الإنجليز من قبل، لكن ما سمعته من حديث أبي، أكد لي بأنهم من القوة بحيث أن الوالي قد فر من أمامهم قبل أن يصلوا إليه، غير أن الذي استوقفني على نحو ملفت وشغل فكري إلى فترة من الوقت،هو ما بدر عن أبي، فما علاقة أبي بالوالي وما سر خوفه الذي لم آلفه من قبل، كما أني لم أجد تفسيرا لعلاقة جدك بالموضوع .

كان الشيخ يومها قد قارب السبعين من عمره، رجل بهي الطلعة .. باسم الوجه .. إذا حدث أنصت من حوله، يجله الناس لما يتمتع به من طيب خلق وحسن معشر، لم يخل بيته من ضيف ولم تخب له نار، اقترن من النساء بأربع ولو لم تسعفه الرابعة بالبنين لواصل سعيه خلفهم، كان في منتصف العقد السادس حين اقترن بها ولم تكن هي سوى طفلة لم تبلغ الحلم بعد، انتزعت من بين قريناتها وألبست ثوب العرس، هذا ما قالته أمي وهي تبدي تذمرا حذرا أمام أبي: طفلة يا حرام .

- حرمت عليك عيشتك .

لم تنطق بشيء بعدها، ظلت تتحاشى إثارة الأمر أمامه وإن كانت في المجالس الخاصة بالنسوة، تبدي تعاطفا معها لا أجده عند غيرها من النساء، لحست عقل الشايب يا نسوان، قالت إحدى ضرائرها وهي تلقي برغيف في فوهة الفرن .

- اتقي الله يا شيخة . قالت أمي بشيء من الحدة .

- هو أنا كفرت يا أختي !! .

- البنت طفلة .. حرام عليك .

- طفلة !.. ليتك تنعمي بربع عزها .

- قولك ليه ما دخل عليها؟ . سألت أخرى بخبث يلمع في عينيها وحين لمحتني ألهو بقربهن قالت وهي تداري ضحكها: العب بعيدا يا ولد .

- قال بيضيفها يا حبيبتي . ردت المرأة بتهكم .

- أسبوع وما قربها !! .

- ويمكن الباقي من عمره كمان .. اسأليني أنا .. أنا اللي عارفة كل شيء .

- يمكن الراجل خربان يا نسوان؟ . شهقت المرأة بخبث وضربت على صدرها .

- أبو سبعين سنة، كيف راح يكون عامر؟ .

- لازم ندبر حيلة تكشف زيفه .

- كيف؟ . خرجت من عدة حناجر وأطبق الصمت .

- نحفظ البنت كم كلمه ترميها في وجه وسط الديوان .

- زي؟.

- تدخل عليه الديوان وقدام كل الناس تقول له: أنا حرمة زي بقية النسوان وبدي حقي الشرعي اللي أنت مانعه عني .

كدت أن أغط في النوم لحظة أن جاء صوت أبي هادرا من عتبة الباب: حليمة .. حليمة .

-نعم يا أبو حسين .

- نعامة ترفسك وترفس إللي خلفوكي .

- خير يا أبو حسين .. خير . قالت أمي بخوف واضح .

- خير .. من وين راح يجي الخير ولا عمل عندكن غير الخوض في أسرار الناس؟.

- أي ناس يا رجل؟ .

- استهبلي علي .. الناس اللي راح تخربوا بيتهم .

- والله ما عندي علم بكل اللي تقوله؟ .

- اللي بأقوله هو عن الشيخ إبراهيم . . مين قليلة الحياء فيكن، اللي حشت طم البنت بالسفالة؟.

 - يا لطيف . شهقت أمي ولطمت خدها .

- الله لا يلطف فيكن .. علي الطلاق بالثلاثة غير تنامي في دار أهلك .

- حرام عليك يا رجل .

- أخرسي .

انسحبت أمي من أمامه وهي تكفكف دموعها، صر باب الحوش خلفها وأطبق علينا صمت سرمدي، لم تتبدد سحبه إلا مع خيوط الفجر الأولى، حين أيقظنا صوت جدك الشيخ إبراهيم وهو يلوم أبي على فعله: كيف تطرد المرأة في الليل على دار أهلها؟ .

- لتتأدب .

- حليمة بنت ناس وما لها في كل اللي صار، بل على العكس، كانت ضدهن بالمطلق .

 - وليكن .

- خليك من العناد واسمعني، راح أردها يعني راح أردها .

- لكن .

- من دون لكن .

لم يكن أبي قادرا على تسفيه رأي جدك أو الخروج عليه، كتم غيظه الذي لم تهدأ حدته واتكأ أمام المرجل في انتظار ما هو آت، لم يمض سوى بعض الوقت،حتى علا صرير الباب مصحوبا بصوت الشيخ: أدخلي يا بنت . . سلمي على زوجك .

أقبلت أمي حزينة منكسرة .. انكبت على يد أبي الممدودة بلا مشاعر، ثم انزوت في غرفتها تبكي بصمت .

 كانت هذه الواقعة أس العلاقة التي توطدت بين أمي وزوجة الشيخ، إذ لم يمض يوما إلا والمرأة في بيتنا، كانت تهرب من الوحدة وقسوة الضرائر .. تبث أحزانها إلى أمي، فتجد المواساة والعطف، لم تبخل عليها بنصح أو رأى، حتى أكبر أبي فعلها، بل صارحها ذات يوم بذلك قائلا: أنت عظيمة يا حليمة .

_ اللي ما ينفع مع العبد ينفع مع الله .

- ظلمتك يا حرمة .

- ربنا يسامحك .

 لم يمض كثير من الوقت حتى شاع في القرية خبر الحمل، المبروك بشر بولد يرث الشيخ من بعده والشيخ رجح زعمه برؤيا رآها في المنام، قال يومها محدثا من حوله: رأيت أني واقف بعرفات أدعو الله أن يرزقني الولد الصالح وإذ بصقرين يحطان على كتفي، ثم أيقظني أذان الفجر.

صدقت الرؤيا فكان مقدم أبيك، انتشت البلدة بالآتي بعد طول انتظار والشيخ عاد عقودا إلى الوراء، تخلى إ عن طقوسه إلى حين، رقص منتشيا بولي العهد .. ضاقت به الحلقات أسبوعا بأكمله والدار حشرت بالمهنئين، حتى الوالي جاء على رأس وفد من أتباعه، يومها ذبح جدك سبع خراف، لم يبق أحد في القرية، صغيرا كان أم كبيرا إلا ونال شيئا منها، غير أن قلة ظلت تداري غيظها مما حصل، بل وصل بها الأمر إلى حد التشكيك في نسب المولود، لكنها لم تجرؤ على الإفصاح عن نواياها وظل الأمر محصورا بين عماتك وأزواجهن، لكن حين جاء المولود الثاني لم يعد لهم من رجاء، فانقلبوا إلى حيلة أدهى، أرادوا تنغيص حياتها، أوعزوا إلى نساء الشيخ بتكدير عيشها، لعلها تفل أو يحل بها مصاب يمنعها من الحمل

وبالفعل أصبحت المرأة ترى عند عين الماء تزاحم لملء جرارها،أو عند باب الفرن تدفع خبزها، حتى أصبحت مع مضي الوقت امرأة تزاحم النساء في دهائهن، بل وصل الأمر لدى بعض ضرائرها أن يتزلفن لها قربة، طمعا في كسب رضا الشيخ، إلى أن تصادف مرور الوالي ذات مساء، مع عودتها بصحبة أمي وبعض النسوة من عين الماء، أوقف فرسه قاطعا الطريق عليهن وأشار لهن بالوقوف .. تفرس الوجوه بتمعن، ثم التفت إليها مستفسرا: من راعيك يا بنت؟ .

تلعثمت المرأة لفترة من الوقت، ثم ردت بصوت خافت: الشيخ إبراهيم .

- فرشي بيتك الليلة .

قالها ومضى، بينما الضحكات المكتومة، راحت تعلو باضطراد يوازي ابتعادهن عن المكان، إلا هي، فقد ظلت تجهل حقيقة ما يدور من حولها ولم تسعفها تلميحات بعضهن في فهم المراد من الزيارة، كانت مقاصدهن مشبوهة، رغم أن الوالي قالها لكثير منهن في السابق، إلا أن قلة من حامت حولها الشبهات، ثم أصبح الأمر بعد حين مثار شبهة لدى الجميع .

استشاط الشيخ غضبا لدى سماعه بالأمر وأرسل في طلب أبي، الذي أجاب من فوره، كان كالأسد الكاسر، يحوم في حوش الدار على غير هدى، هذا ما قاله أبي بعد حين وأنكره عليه البعض، سألته وقد أفزعني مرآه: عساك بخير يا عماه؟ .

- أي خير وهذا الديوث يحوم زي الذيب في الديار؟ .

- تقصد الوالي؟ .

- ومن غيره؟

- تعرض لك بسوء..؟

- تعرض لزوجتي ..

- زوجتك !! .

- نعم زوجتي .. ما قالت لك حليمة؟.

- لا .

- اعتبر نفسك دريت .

- والعمل؟ .

- لهذا ناديتك .

 كمن الرجلان داخل البيت .. تسلحا بنبوتين يرجع تاريخهما إلى ما قبل عقود .. يوم أن كان الشيخ سيد سبعة من أخوته ..(عند هذه النقطة يبكي أبي ..تنساب دموعه بلا ضابط .. يغمغم بحسرة وألم: لو ما أخذهم الطاعون مع الخلق اللي أخذها، لكان إحنا أكبر حمولة في البلد اليوم)، ثم يتابع ما بدأ باعتزاز يوازي فجيعته: دانت له البلدة حينا من الدهر وحين ازدادت سطوته، دبر الوالي من ينافسه، فاختار لذلك أعز أصدقاء الشيخ، لم يكن أقل منه عزوة ومالا، لكنه كان أقل تطلعا لمنافسة الشيخ، ربما كان ذلك بفعل الصداقة التي تربطهما وربما لأن الشيخ حرص دوما على مكانة صاحبه، إلى أن جاء العيد ولا أدري أي عيد قصد أبي، إذ لم أكن قد ولدت يومها، فخرجت الخيل للسباق .. تجمع الناس ضحى في جرن البلدة واعتلى الفرسان صهوات جيادهم .. اصطفوا علي صعيد واحد تصاحبهم الأهازيج والزغاريد، انطلقت إشارة البدء فاندفعت الخيل كالريح المرسلة .. تدافع الناس ليتابعوا عن قرب .. فحجب الغبار جانبا مما يجري، لكنه لم يحجب المشهد الذي شكل نقطة تحول في تاريخ القرية، فلقد ركز الجميع أنظارهم على المتنافسين الرئيسيين، كان الصراع على أشده بين مهيوب شقيق الشيخ الأصغر ومنصور ابن الشيخ راضي زعيم الحارة القبلية ومنافس جدك من بعد، أصبح الصراع على أشده بين الفارسين .. اقتربا أكثر من مرة .. ضيقا على بعضهما البعض .. تزاحما .. كاد أن يوقع أحدهما الأخر وفي النهاية فاز مهيوب، فأسقط بيده عقال منافسه عن رأسه، لم يحتمل منصور مرارة الإهانة فصفع غريمه، تعاركا فانقسم الناس على أنفسهم، كان مشهدا فظيعا وكأن الناس قد أصابها مس، فمنذ ضحى ذلك اليوم وحتى ما بعد العشاء، لا يسمع سوى قرع النبابيت والصراخ، حتى الوالي عجز عن التدخل وكل ما فعله أن أرسل في طلب قوة من المدينة، وصلت حين أثخن الناس بعضهم بالجراح ولم يعد لأي منهم القدرة على مواصلة القتال .

وقع حوافر الخضراء بدا واضحا للرجلين .. اقتربا من بعضهما البعض .. بدا التحفز واضحا في العيون المحدقة في عتمة الليل، اقتربت الخضراء حتى أحس الرجلان بلفح أنفاسها .. أطبقت السواعد بقوة على العصي .. تنحنح الرجل ودفع الباب .. صر الباب كعليل أعياه الألم .. خطا خطوتين إلى الأمام، ثم وقف يتحسس الصمت . تنحنح مرة أخرى ومد إلى الأمام، فكانت العصي أسرع منه، هوتا دفعة واحدة واستقرتا على رأسه .. خر الرجل كبنيان تهدم .. تهاوت عليه العصي متتابعة .. همس أبي في أذن الشيخ وقد أعياه التعب: كفى .. أظنه فارق الحياة .

لم يستجب الشيخ لمطلبه وظل يتابع الضرب بقسوة وبين الضربة والأخرى يردد بغيظ: موت يا أبن الكلب .. موت، إلى أن هده التعب، فافترش الأرض يلتقط أنفاسه الهادرة، أطرق لبعض الوقت متكئا على عصاه التي بدت وكأنها جزء من قبضته، ثم رفع رأسه وقال لأبي: هات الحبل من خلف الباب .

انهمك الرجلان لبعض الوقت في توثيق الرجل، ثم أحضرا كيسا دساه بداخله وربطا فتحته .. تعاونا في حمل الرجل .. رفعاه فوق ظهر الفرس .. جفلت .. ارتدت إلى الوراء قليلا .. ألقياه فوقها على عجل .. ثم أوثقاه بها جيدا كي لا يسقط عن ظهرها.. أمسك أبي بزمام الفرس وسار بها متلفتا حتى أول الشارع، حيث وجهها إلى الناحية التي أتت منها وصفعها بقوة علي ظهرها، فانطلقت تشق حوافرها هدأة الليل، حتى توارت عن أنظاره وغاب عن سمعه وقع أقدامها، تسحب بهدوء وعاد يستطلع حال الشيخ .

كان على هيئته الأولى .. جالسا في نفس المكان .. ممسكا بعصاه وكأن الأمر لم ينته بعد، حدق في وجه أبي بتمعن، ثم نظر إلى يده وقال باضطراب: ذراعك تنزف دم؟ .

نظر أبي إلى يده .. شمر ساعده، فبدا النزف أكثر وضوحا والجرح أكثر عمقا .. تساءل الشيخ مستهجنا: من أيش هذا؟ .

- يبدو من مسمار في الباب .. شعرت فيه لما حشرنا لحظة ما خرجنا بالرجل.

لم ير الشيخ الكدمات التي أحدثها ارتطام رأس الفرس بوجه أبي حين جفلت مضطربة، فانصب تركيزه على الدماء التي تقطر من يده، قد خرقة تصادف وجودها في المكان ولف بها الجرح .

- أتظنه مات؟؟ . سأل جدك ببرود .

- يمكن .

- بالك في حد شافنا؟ .

- لا .. إلا إذا كان حد في البيت غيرنا .

- لا ما في البيت غيرنا .. كلهم في الدار الثانية .

- خليني أمشي إذن .

- على بركة الله .. خليك حذر وكتوم .

- ما يمنع حذر من قدر .

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1097  الجمعة 03/07/2009)

 

 

في نصوص اليوم