نصوص أدبية

أشياء متقاطعة*

عدم إمكانية تحديد زمكانيته فتعكز على ذلك ضياع  (تسمعريفته)**. واصبح هذا الشعور المتمرد على السيطرة يعصف بطقسه النفسي والذاتي العاصف أصلا ليصبح بالتالي مترنحا بين الإعصاريين . متأرجحا بالضياع لا يمتلك تنظيما لفصول مزاجه الأربعة، المتقلبة في كل منظومته الشخصية بلا فواصل. يتصيف دون مقدمات معروفة، ثم ما يلبث أن يتشتى، ويتخرف، ويتربع، بلا أي قوانين أو تواريخ محددة. ظل جالسا يطالع في أحد الكتب وهي احب الأعمال أليه لمحاولة توحيد فصليته وثباتها بعد الكتابة . على الرغم من انه فقد الشعور الذي يجعله كنيزك دخاني متسارعا عن الضوء لاختراق كل مياسم الكون، منقبضا بانقباضها ومنبسطا بانبساطها . تجذبه القوة الجاذبة فيشعر بحلاوة الارتطام، وتدفعه القوة النافخة فيلتذ بالطيران. كان يشعر بذلك في بداية انظمامه لعالم المطالعة، وبعد كل كتاب جديد وفريد يتنيزك وينطلق في رحلة كونية شيقة. أخذت تتناقص وتتهافت حتى تحولت إلى نعامة تمتلك جناحين لكنها  لا تطير بهما . لم يعد يستمتع برفيفه ود فيفه إلى في تحليقات الكتابة، التي أصبحت قليلة ومتباطئة. إذ تآمر كل ما حوله على عدم توفير الأجواء المناسبة له ليكتب بسلام. حدق في سطور كتاب جديد من النوع الشتائي الماطر بأفكار عميقة وغزيرة أشعرته بالابتلال، ألا انه لم يتمكن من الاستمرار في قراءته حيث سطعت شمس تموزه المباغتة وامتصت بأشعتها السليطة كل المياه وجففت حتى البلل. رمى الكتاب جانبا واخذ يزفر بأنفاسه ألا هبة مع دخان (السجار) وسيطر عليه نحول وخدر الصيف بعد أن بدأت بشرته تتقاطرعرقا. نظر إلى جدران حجرته متلفتا بين اتجاهاتها باحثا باستجداء أطياف الربيع، بينما صيفه لازال يمارس سطوته . حتى بدأ يشم حموضة تعرقه الكريهة، وهاجت لاحقا زنوخة أشيائه البائسة من حوله. فاختلطت الروائح اللاذعة المتناقضة شمياً في وعيه المتيبس. نظر لأشيائه بقرف، إذ بدت له نفس الأشياء بألوانها وأشكالها وموادها لم يتغير شئ مذ فتح عينيه في مهده صارخا، من أول الأشكال التي باغتت عيني طفولته واخترقت براءتها، وحتى هذه اللحظة التي يجلس فيها الآن مقابلا أشيائه البائسة لم يتغير شيء إطلاقا. كان يسمع بأن الزمن حاكم وسلطان يضرب الأشياء بسوط أيامه، وشهوره، وسنينه، فتتآكل وتتورم أجسادها وتتقيح موادها . لكنه بعد سنين طويلة يرى الأشياء على حالها، تصاعد الشك في رأسه بالنسبة للإقرار بالسلطان الزمني . رفع المنشفة المعلقة وراء أريكته بالضبط مباشراً تجفيف عرقه من جبهته ومجمل مساحات وجهه. بعدها مسح انفه فاستيقظ من ذهوله بوخزه رائحتها الكريهة، التي أضافت روائح مقيتة لعطونة روائح الأشياء التي تحيطه. أبعدها عن انفه كما الفطيسة وكشر أنيابه مستاء، تطلع في لونها الأصفر الغامق فتذكر تلك القماشة التي كان ملفوفا بها وهو ممداً في مهده. أنها هي نفسها بلونها وشكلها، لا فرق ألا في الرائحة. لكنه لم يستطع الجزم فكيف يتأكد من ذلك ؟ لعل رائحتها كانت بنفس هذه العطونة لكنه نسي ذلك أو لعل قوته الشمية لم تكن قد استعملت مكنونها المنشط ألان في حينها، لذلك لم يدرك عطونتها؟ . أعاد تعليقها بقرف إذ استولت عليه تلك الفكرة اللعينة فعاد لنفسه متسائلا من جديد، فهو يمتلك نسبة من التأكد بأن هذه الأشياء التي تحيطه ليست ذات الأشياء التي إحاطته حينما كان طفلا  سحقا، قال لنفسه وأشعل لفافة تبغ جديدة. هل الأشياء هي نفسها أم (هي هي ولكنها غيرها؟)، استدرك بمزيد من الحذر لكن الزمن لا يعيين على كونها نفسها. فالمفروض أنها استهلكت بعد هذه السنين الطويلة أو تآكلت وتغيرت على اقل تقدير، فلمَ يراها على حالها لم تتطور ولم تتدنى؟ ماذا يعني ذلك؟ تساءل هل جننت ؟ هل قطعت دون وعي الشعرة التي تفصل كما يقال بين العقل والجنون ؟ لكن يبدو لي أن هذه الشعرة ليست الحد الفاصل بين ذلك حسب بل أنها شاملة لكل الأشياء . أو ليس هذا الحد نفسه قائما بين الحياة والموت؟ بين الوجود والعدم ؟ بين الحق والباطل؟ بين المكان والزمان؟ سحقا تنهد من جديد، ما لذي اهذي به الآن؟ وأي جحيم يحيط عوالمي؟ تلفت حول أشيائه واستمر طارحا أسئلته الذاتية، التي أخذت تتوالى على وعيه وقد اشتدت حرارته. ولازالت شمس ظهيرته بكامل تسلطها وتزايدت عطونة الأشياء بقوة متصاعدة نحو مغارتي منخريه . خلع فانلته وبقي بلباسه الداخلي وقد اصبح كل جسده ينز عرقا. تسائل مع نفسه مجددا: ربما تكون الأشياء هي التي تأثر على الزمن فتتعاقب فصوله وتتغير أحواله نتيجة إشعاعات وروائح وذبذبات الأشياء وهذه تتغير بدورها لأنها استنفذت قوتها ورونقها في التأثير على الزمن، وهل هذا الشيء طبيعي؟ أم أن هناك من أراد أن يقلب وجهة الشعرة الفاصلة بين الأشياء والزمن؟ إذ لن تروقه حاكمية الزمن فغير موازين القوى، ليكسر جبروت الإمبراطورية الزمنية، بابتكاره استنساخ الأشياء لكي يضجر الزمن ويعلن تحديه. فكل شيء صغير يبليه الزمن ينشا من جديد شامخا بأنفه، وعليه تكون القماشة الصفراء، التي كانت أمه تلفه بها حينما كان طفل هي نفس المنشفة الصفراء المستنسخة من تلك لذا لا يشعر بأي فرق. تمدد شبه العاري فوق الأريكة ولازال رأسه معبئا بالأفكار، وولج لعمق دورته الشكية مكرها. بدا يشعر بحرارة في رأسه وكأن فروته تنفث بخار نتيجة الحرارة الاهبة التي طوقت فظاءاته . نهض متوجها نحو المغسلة انحنى تحت حنفيتها جاعلا الماء يتراذذ فوق رأسه ويتقاطر من ثم على جسده متلامعا فوق شعيرات صدره السوداء . صب لنفسه بعد أن نقع رأسه بالكامل كوب من الماء عبه دفعة واحدة داخل أحشائه، شعر ببعض الارتياح. ولما أعاد القدح لمكانه تنبه لكونه نفس القدح الذي شرب فيه من أول يوم عرف فيه كيف يشرب دون مساعدة أحد، وهاهو نفسه بلا أي فرق . الأكثر من ذلك أن الماء نفس الماء بالضبط، ولأدهى أن شعوره نفس الشعور في كل فترات عطشه . جلس متهاويا فوق أريكته مستشعرا بدوار حاد وكأنه يسقط في هاوية بلا قاع. صرخ في أعماقه يائسا: أي سخافات تزلزل سكوني بحق السماء ؟ انحنى مثبتا جبهته على راحة يده بعد أن اسندها إلى ركبته وظل صامتا يحاول استجماع قواه اليقينية . ودون إرادة منه عصفت الشكوك في رأسه، مبتدئة بإرعابه من كون الماء الذي شربه قبل قليل هو نفس الماء الذي شربه في كل مرة . بل انه لم يشربه إلى في لحظته هذه، وما المرات السابقة إلى تهريج وخداع بصري انعكس أمام نظره على زجاج القدح . والواقع انه لم يشرب الماء في حياته إلى في هذه اللحظة  ولا توجد أي شربة قبلها . إنها هذيانات الشعور بالعطش ليس إلا، والعطش نفسه هذيان لشعور آخر، بل الشعور نفسه هذيان، والهذيان نفسه لا شعور . ماذا يعني هذا؟ تسائل وقد رفع رأسه من راحة يده، وضغط بيديه على صدغيه مكملا من تحت الضغط تساؤلاته : هل أن الزمن خديعة ؟ وهو شيء ثابت لا متغير؟ فكر قليلا ولما  فارقه الجواب لعن الثابت والمتغير. أراد أن يشرب كوبا أخر من الماء، لكن رعب الفكرة سيطر عليه وخشي أن يعيد الكرة فتعصف به لعنة الأفكار البائسة. لف لنفسه أنبوبة تبغ واخذ يزفر دخانها بقوة محاولا التخفيف من ضغطه، خصوصا وان الحر اصبح لا يطاق . لكني استأنف من جديد، كنت طفل،ثم صرت صبي، وها أنا شاب، ومعنى هذا بان الزمن يتغير بالتأكيد وهو ليس ثابت قطعا. شعر بالارتياح مؤقتا واخذ يغير مجرى العرق المنحدر على حدقتيه إذ مشط حاجبيه بنعومة الإبهامين . نعم نعم أنا اهذي هذا مؤكد، قال لنفسه بينما ألقى بعقب لفافته السامة في فم المنفضة المليئة بالأعقاب المميتة . ومن مشهد الرماد والقطوف المشؤومة عاوده التشكك لينقض هدوئه حيث تسائل فورا : لكن ربما لم اكن طفلا ولا صبيا  ولا ولا، كل ما في الأمر أنني ونتيجة لسيطرة وتقلب الأفكار برأسي تقلصت حدقتا عينيي وأخذت أرى الأشياء بشكل مختلف . فحينما تصاغرت مساحتي النظرية رأيت نفسي وجودا صغير تبعا لصغر رؤيتي فأطلقت على وجودي المتصاغر اسم طفل . ثم توسعت مساحتي النظرية فرأيت نفسي وجودا اكبر بقليل أطلقت عليه اسم صبي. ولعل مساحتي النظرية ستتسع إلى أن أرى نفسي اكبر بكثير من حجمي الحالي فاسمي ذلك الوضع بالطاعن بالسن  إلى ما لانهاية . شعر أن هذه الهذيانات لم تتوقف، ووصل صداعه إلى حد أن رأسه اصبح على وشك الانفجار، قرر أن يسترخي من التوتر . أطفئ الضوء فدُفنت كل الأشياء من حوله بتراب الظلام، تمدد على الأريكة محاولا استعطاف قلب النوم . حدق في الظلام المتثاقل فوق عينيه بدا له انه ينظر إلى بؤرة ظلام لا متناهية وليس إلى السقف الذي يضطجع الآن تحته . حاول السكون لعل النوم يرحمه أو يغتال دكتاتورية يقظته. اغمض عينيه إذ تذوق خاطرة من الاستقرار أن لم يكن مخطئا فانبثقت الحالة الشكية من عمق كهوفه الذاتية متقنعة بسواد الظلام هذه المرة، أفقدته السيطرة على نفسه وظن انه غير قادر على تحريك أي عضو من أعضاء جسده. ابتسم مع نفسه دون أن يتحرك ساخرا من فكرته، لكنها بدت واقعية فقرر تحريك بعض جوارحه ليطرد الأوهام من تفكيره ويستريح . حاول أن يفتح عينيه لكنه أصيب بالرعب إذ أن أجفانه لا تستجيب للفتح وكأنها لحمت فوق العيون. كررا لمحاولة مركزا كل قوته لفتح عينه اليمنى أولا فلم يفلح، انتقل لاستخدام عضوا أخر مبتدءا من يده فلم يستطع رغم جهده أن يتحكم ولا بإصبع واحد، وهكذا خرج كل جسده عن سيطرته . راح يناجي نفسه وهو لا يزال تحت سلطة الحالة الغريبة التي اعترت منظومته الوجودية : يا اللاهي ما الذي يحدث ؟ تملكه شعور من الخوف والسخرية في نفس الآن. استمر مناجيا يبدو أني اشعر بالتعب والإرهاق نتيجة الإفراط في السهر وحرارة الجو الاهبة قد أثرت أيضا كما يبدو على تركيزي، فأنا متأكد من أن ما ألم بي غير حقيقي . وعاد لمحاولة السيطرة على أعضائه دون جدوى . اشتد خوفه اكثر وتساءل متحيرا هل أنا ميت؟لكنه استدرك على الفور : سحقا لي وكيف يشعر الميت ويحدث نفسه يا ترى؟ بالتأكيد أنا حي . لكنه ما لبث أن عاد متسائلا وما الذي يثبت ذلك ؟ هل مت من قبل ؟ وما الذي اعرفه عن الموت ؟ شعر بان شخصا آخر كامن في عمق ذاته هو من يدير الحوار ويطرح الأسئلة العاصفة المدمرة هذه. ووجد نفسه في منتهى الجهل أمامها، يباغته الصوت القادم من مكان مجهول كل لحظة بسؤال خطير يقلق عوالمه ويضبب رؤاه . لماذا لا تظن بأنك ميت؟ انهض ألان من مكانك أن كنت حي كما تدعي؟ أو حرك أي عضو من أعضائك على الأقل أن كان هذا بوسعك؟ هيا حاول. تصاعد رعبه إلى الذروة ولم يعد يشعر بأي شيء خارج إحساسه الباطني، لم يعد يشعر بحرارة الجو أو اعتداله . تسائل يائسا أن كان لازال يتعرق أم لا؟ ولم يستطع الجزم. يا ويلي عاد شاكيا: لعلي حقا ميت أليس الميت هو من يفقد الشعور بأكثر الأشياء ويبقى واعيا بجثته وحسب؟ كلا استأنف، مؤكد أني حي لقد تمددت بإرادتي، محاولا استجلاب النوم بعد أن شعرت بالإرهاق. لكنه ضحك على نفسه ملئ فيه دون صوت، تحير من أمره وعاد متسائلا ولن ينهي ضحكه بعد: ماذا اعني بإرادتي؟ هل يجب أن أتمدد دون إرادتي ليأتيني الموت؟ ثم هل يأتي الموت للمتمددين فقط دون أرادتهم ؟ ما المانع في أن يأتيني الموت وأنا أحاول النوم ؟، لم يجد أي جواب حاسم. ولم يستعد سيطرته على جسده بعد وعصفت في رأسه فكرة مباغتة تشكلت على هيئة سؤال بشع أمام وعيه المتذبذب فقرء السؤال بصوت مرتجف: لمَ لا أكون ميت ومنذ زمن بعيد ولم يكن الذي حصل قبل تمددي سوى استذكار سريع قمت به وأنا نائم في قبري هذا، عن ما كنت اعمله خارج القبر؟وعدت لوضعي الصحيح، بكوني ميت ويجب أن اعي ذلك . تنهد بأسى ومرارة ثم أردف مشككا : ولكني اكلم نفسي واشعر بها مما يعني أن..لم يكمل عبارته حيث علق مباشرة: ومن قال أن الميت لا يعي حاله؟ ثم ألم أتسائل مع نفسي حينما كنت خارج القبر أو لأقل خارج هذه الحالة، إذا كنت غير مقتنع بموتي. ألم أتسائل حينها لمَ لا يكون الفرق بين الحياة والموت كالفرق بين الجنون والعقل ؟، بأن لا تفصل بينهما سوى شعرة. فربما انقطعت هذه الشعرة أخيرا ولست ادري هل قطعت حينما رأيت نفسي طفلا؟ أو حينما صغرت حدقتي فتصاغرت رؤيتي وأسميت نفسي في ذلك الطور المتصاغر طفلا؟ كما فكرت في ذلك من قبل. وحينما مت شعرت بحدقتاي تتمدد فصورت نفسي متمدد الآن، وفرضت باني كبير. كما كنت كبيرا حينما شممت روائح الأشياء وتسائلت عن علاقتها بالزمن . لكن سحقا كيف أتحقق من كوني على نفس ذلك الحجم الذي رأيت نفسي عليه قبل هذه الحالة؟ وأسميت نفسي حينها شابا يافعا ؟ آه أي جحيم هذا وما الذي تعنيه الأحجام أصلا ؟ أليست هي هذيانات جوفاء افرضها على الأشياء والأمكنة حسب مزاجي ؟ فلا يوجد في الحقيقة أي صغير ولا كبير ولا تمدد ولا تقلص، ولا ماء ولا قدح ولا أشياء ولا زمن. ولكن أنا نفسي ماذا أكون؟  الست شيء؟ أو زمن؟ وكيف لي معرفة ما أنا ؟ فلست قادرا حتى على فتح عيني. صمت قليلا ثم ضحك بلا صوت ساخرا من نفسه مواصلا حواره الذاتي: افتح، وماذا يعني افتح؟ وما هي عيني التي ازعم باني غير قادر على فتحها بعد إغلاقها؟ هل توجد حقا ظاهرتين تسميان الفتح والإغلاق ؟ أنا ميت باختصار ويجب أن اعي هذا وأنا ممدد فوق أريكتي التي أصبحت قبري . لكن من قال باني فوق الأريكة؟ ربما أكون واقف أو ماشي أو حتى راكضا ؟ لا لا غير صحيح طبعا أنا فوقها والدليل على ذلك إنني حينما تمددت كنت متسمرا بنظري على السقف فوقي وقد هالني الظلام الذي دفن السقف بالكامل . جال ببصيرته وكأنه يحاول أن يتحسس موت الوحش الهائج الجاثم في عمق أحشاء دخيلته، ويتحرر بالتالي من مخالب بطشته . أصاخ سمعه قليلا ليتأكد من نجاح احتماله الذي تمزق فورا بلطمة هائجة من مخالب الوحش الذي زأر في باطنه: أيها الغبي أي فوق؟ وأي تحت؟ وأي ظلام ؟ منذ وجودك وأنت في ظلام . ولا وجود لأي فوق أو تحت لماذا لا تقنع بان هذه الأشياء كما باقي السخافات الأخرى التي تفترض وجودها بأوهامك هي خزعبلات وهذيانات تحاول أن تسلي بها نفسك وتفرض بها معنى للا معنيتك وهي في حقيقتها اعدام سابحة في عالم الفوضى الأصيل قابلة لأي تشكل وكينونة. تخلقها أنت بتصوراتك وصورك التي تتمثلها بنفسك وتكونها حسب مزاجك . تخلقها أحيانا على هيئة تزعم أنها جميلة، ثم تغيرها قليلا وتقول عنها بشعة. وأحيانا أخرى تفرض لها أوزان تصفها مرة بالثقل و مرة بالخفة، ثم تتمادى اكثر إذ تدعي وجود ألوان وروائح وما أليه من باقي الأشياء التي تعودت على تصور وجودها بعد أن نسجت مملكتها بمخيلتك . يجب أن تعي انه لا يوجد شيء خارج شيئيتك، وحقيقتك . لكن صبرا ما هي حقيقتي وشيئيتي أولا أريد أن اعرف ذلك؟، شعر بأنه لا يعرف أي شيء عن مجمل شكله وتكوينه وحقيقته تملكه إحساس غريب ولفه فراغ قاحل الهاوية وكأنه يختنق في عالم ظلامي مجهول التعاريف بل انه نفسه ظلام في ظلام. لكن ما هو الظلام؟ تساءل مجددا :هل هو ما أراه الآن؟ وهل يوجد شيء غيره ؟ تنبه أخيرا لصمت الصوت في أعماقه وكأنه ابتلع لسانه وقرر السكوت. قال بحزم لمَ أذن لا أفكر بشكل أو هيأة ما كما افترضت شكلي قبل ألان واستعيد تصورالاشياء التي أضفيت عليها أشكالا وأسماء وألوان معينة ؟ استهوته الفكرة كثيرا وشعر بلذة غامرة واخذ يرسم صورته التي كان قد رآها حينما فرض نفسه متمدد فعاد من جديد يعاود رسم التضاريس محدثا نفسه: شيء فوقي أسميته سقف، وشيء تحتي قلت انه كنبة . وظل يستعيد الأشياء ثم بدا يرسم جسده كما ظن انه كان قبل أن يفرض حالة النوم أو الموت . شعر بسعادة غامرة إذ اخذ يتصور شكلا ما تيقن نسبيا من كونه يشبه الشكل الذي كان عليه سابقا فاستمر ببنائه الافتراضي لمجمل تكوينه المزعوم. الذي ابتدأ فيه بشكل طويل أطلق عليه اسم الجسم وقرر تسمية الأعضاء السابقة كلها أليه . فأشار بوعيه إلى شيء بؤري الشكل افترض كونه يسمى عين والى جنبه افترض وجود نسخة أخرى مشابهة . وهكذا أعاد تشكيل شكله المفترض لما يظن انه كان عليه . وأشار بوعيه إلى أصابعه فقال لنفسه لأبدا بتحريك هذا الهيكل الجديد كما كنت أحركه سابقا وفعلا حاول مع عينيه ففتحا. وهكذا حرك يديه فاستجابت بسهولة لم يصدق نفسه، أراد التأكد من كونه قادرا على التحكم بجسده .هب واقفا بكل سرعة متاحة لشخص أطاح به الشك ويريد العودة لأحضان اليقين . وما أن رفع يديه بقوة حتى قطع الحبل الذي كان قد ربط به الستار الذي زين نافذة حجرته الخلفية فانكمش قماشها . كان الفجر قد ألقى بأشعته داخل الحجرة وعصفت بها الرياح، إذ فتح النافذة الخلفية قبل تلك الحالة الشكية الخطيرة. وكانت الستارة مسدلة برسومها ذات الأشكال الغرائبية الملونة بألوان اشد غرابة . لم يهتم لالتفافها بل سارع من فوره إلى النافذة الأمامية وفتحها على مصراعيها . شعر بسعادة لا توصف وهو كالميت الذي استعاد حياته من جديد. تطلع في الأفق الممتد أمامه متنسما الرياح الرطبة الباردة وإنماث مع خضار الحشائش والأشجار الممتدة على طول أفق السهل وحقوله المخضوضرة في المساحة الشاسعة أمام حجرته. تنفس بعمق مجذوبا للفجر الذي صحا توا من نعاسه خلال ساعات الليل الطويلة، وملئت أذنيه أغاريد العصافير، وأصوات الطيور والحيوانات البرية، التي تملا الحقول . كانت الأشجار الكبيرة تتراقص بأقمصتها الخضراء وأردنتها الورقية تتطاير على عزف الريح . وتمايلت الحشائش المنخفضة بقاماتها الرشيقة لاعبة على أوتارها. جلس أخيرا على الأريكة محاولا استعادة  اتزانه، بعد الإرهاق الذي ألم به. ابتسم لنفسه وهو يستعيد اتصاله بعالمه وعالم أشيائه، التفت إلى يمينه فابصر بردته الملتفة، فعادت به الذكريات ورائيا بخطوات متباطئة . كان اكثر ما لفت انتباهه في الستارة وهو يراها لأول مرة قبل تسعة اشهر ألوانها الغامضة بلكنتها الشاحبة من جهة، ومن جهة أخرى تبدو بسيطة وزاهية . وحينما كان ينظر إليها وهي مسدلة فوق النافذة، تتملكه مشاعر غريبة لا يعرف حقيقتها، ويعجز عن تفسيرها. ظل لوقت طويل يستشعر تلك الانفعالات التي تجتاح وجوده كلما نظر أليها، حتى اختفى ذلك الشعور بعد مدة من الزمن . إذ أصبحت مجرد قطعة قماش عادية لا تثير فيه أي انطباع وإرهاص ما . بل صارت مملة لهذا ثبتها بحبل شده في مسمار صغير إلى جانب النافذة، لكنه فوجئ بعودة المشاعر الغامضة التي كانت تجتاحه في الشهور الأولى التي احضر فيها الستار. بل انه تحسس انطباعات جديدة ومختلفة ولجت عوالم وعيه، حينما التفت  وانكمشت، فاختلطت الأشكال الغرائبية على قماشها، كما أن تناقضات الألوان بدت اكثر عمقا. ظل يتطلع إلى القماشة المعكرة فهاجت مشاعره الدفينة بذكريات وأحساسات بدت له غبارات لذكريات قديمة التاريخ . استمر يتفحص اللوحة الجديدة من كل اتجاهاتها، متابعا الأشكال الحيوانية ناقصة التكوين، والبيوت الزراعية الغير مكتملة، إلى باقي الخطوط الغريبة والمتقاطعة.  حدق بالسفن المقلوبة، والسماء الغائمة بلا مطر، مع قطع من الغمام، وهناك حشائش برية صفراء باهتة، والشمس الغروبية التوقيت استقرت في أعلى يسار اللوحة في المنطقة المتعكرة بشدة فاختلط هناك الاحمرار بالاصفرار، بينما التمعت النجوم الملتحمة هي الأخرى والمرسومة في أعلى اليمين. ظل يتابع أدق التفاصيل وبدت ساحة الخيال في وعيه تتراءى في مساحاتها الشاسعة وطار طائرها محلقا في فنارات الفضاء . وقد تداخلت الصور والألوان والأشكال المتناقضة في بطنها المنتفخة . استفاق من سكرته وأطاح بوعيه على أشيائه المتناثرة وقد بدت له ألان في غاية الجمال والروعة واستشعر بشوق فياض يجتاحه نحوها وتذوق طعما لعلاقة حميمة نشئت بينهما لتربطهما برباط فيه نوعا من القداسة . نهض من أريكته واتجه لرفع  الإهمال الذي حكم فيه حياة أشيائه...

كانت اللوحة ظاهرة من قفا البردة كما من واجهتها، وقد جلس رساما مغمور يسكن قريبا من الكوخ الذي زينت نافذته البردة . وقد اعجب الرسام بالخلطة المتنافرة على قماشها، حينما مر من خلف الكوخ مصادفة في إحدى الأيام، فقرر إعادة رسمها مع إضفاء رؤاه الخاصة عليها وابتدأ قبل يوم. ومع عودته في هذا اليوم فوجئ بالتفافها وتعكرها فشعر بالضيق في بداية الأمر، حيث أنجز نصفها تقريبا لكنه صدم بتعثر مهمته . جلس في مكانه بصحبة اللوحة النصفية محدقا بالستار بانزعاج واضح، مصطبرا بالمراقبة، لعل صاحبها يعيدها إلى وضعها السابق. طال انتظاره دون أي نتيجة واحتمل بأنها قد تبقى على وضعها الحالي حتى أيام طويلة أخرى . فقرر أن يباشر رسمها على قماشة ثانية، غير تلك التي رسم عليها سابقا. حينما انغمس بعمله استغرب من الخطوط والانعكاسات الجديدة التي لفت القماشة وأضافت للوحة أبعادا أخرى لم تكن واضحة المعالم في شكل البردة السابق . وبرزت الظلال والأضواء متناوبة مع انعكاس أشعة الشمس بانطباع سريالي شديد التعقيد . ودغدغت ألوانها العجائبية حواس مخيلته المرهفة، فستجاب ضاربا فرشاته بهيام هائج مغيرا الخلطة اللونية التي أعدها لرسم اللوحة في شكلها السابق، وبدا يلون بلا ترتيب أو تخطيط . ظل يرسم حتى أنهى نصف اللوحة، وعندها أرخى الليل سدوله وبدأت الحيوانات البرية بالعواء من وراء التلال، وارتفعت أسراب البوم محلقة في الأجواء  . جمع الرسام أغراضه في حقيبة كتفه وحمل اللوحتين وعاد يجلجل بصوت سيارته قديمة الطراز نحو قبر منزله...

 أنهى جولته التنظيفية ورتب أنقاض أشيائه المهملة منذ أيام، كان مشغولا خلالها بين المطالعة في المكتبة العامة، وكتابة بعض المقالات والقصص. أسف على إهماله المجحف لعالم أشيائه الجميل وعاهد نفسه على عدم تكرار ذلك . حمل الأغراض المبعثرة فوق الطاولة الكبيرة وركنها في إحدى زاوية الحجرة، ولف السجادة المفروشة تحتها ليباشر غسل الأرضية . بعد إنجاز ذلك توجه لغسل أغراض المطبخ . مزق شباك العناكب من الزوايا والحواف الجد رانية لينقل أخيرا جبل القمامة الشامخ فوق طبلة المغسلة الخاصة بالمطبخ، ومع رميها خارجا رش معطر قوي المفعول داخل الحجرة ليغير رائحتها الكريهة. وأبقى النافذتين مشرعتين ليسمح لضيوف الهواء أن يتوافدون على حجرته . اعد لنفسه وجبة عشاء خفيف تناوله بشهية ودخل إلى أحضان حمامه الدافئ تعرى تحت الدوش مستمتعا بالرذاذ المنحدر من شلاله، كان يحب أن يطيل وقوفه تحت الماء إذ يشعر بان نوافذه الروحية تتفتح مع تفتح مسامات جلده . بدأت أبخرة الماء الساخن تتصاعد فوق جلده،فرك رأسه وجسده ونشف بلله وخرج بعد أن حلق لحيته . توجه فورا إلى سريره اضطجع فوقه ضاغطا الزر الذي يشغل جهاز بث الموسيقى فانبعثت أنغام شرقية هادئة شجية أطفئ المصباح مع انبعاثها ليلتحف هدوء الظلام . سرى الخدر في كل كيانه وأخذه تيار النعاس لعالم النوم العميق...

استفاق في ساعة متأخرة في اليوم التالي، وقد اخذ كفايته من النوم متخلصا من تعب ليلته الفائتة. مط نفسه بقوة وهز فروة رأسه الكثيفة قبل أن ينهض. اعد لنفسه كوب من القهوة وقد سره المنظر اللامع لأشيائه، كما أن جو الحجرة اصبح طيبا ونقيا بلا أي عطونة . صب القهوة وجلس على أريكته الوحيدة ومع أول رشفة بن ساخنة، استدار باتجاه الستار. نظر أليها طويلا وهو يعب من القهوة ليطرد كسلة نومه. أشاح ببصره نحو الجدار الممتد إلى يسار النافذة، كانت الصورة التي شغلته تظهر امرأة بوجه رسمي ،جاد الملامح وقاسي التركيب، ولكنه لا يخلو من أنوثة مشعة في أجواءه . انسدل الشعر على كتفها الأيسر كقطعة اقتصت من جسد الليل، وقد تعرج لامعا على طوله . قص من فوق الجبين مع حافة الحاجبين بالضبط فاصبح وكأنه قبعة ناعمة . ارتدت قميصا جامحا ذا تشكيلة لونية عابثة وهو ملتصق على جسدها مبرزا النهدين بشدة . كان قد أهمل النظر لهذه الصورة منذ فترة طويلة حيث انطفأت شعلة انتباهه . بعد تحديق طويل قرر أن يجري تعديل في وضع الصورة عله يتلمس تجديدا خافيا عن وعيه . أنهى شرب قهوته فتوجه نحوها قلبها رأسا على عقب وعاد متكئا على كنبته ينظرها . بدأت مخيلته تتحفز واختلفت رؤيته أليها اصبح الشعر الآن وكأنه حرف (أل) اللاتيني الكبير، انحدر تحته الوجه ذو الحنك المدبب وانسدل ذيل الشعر الناعس فوق الكتف على القميص المطرز بأشرطة مختلفة وزاهية الألوان فتقاطع بأشرطته السوداء مع ألوانه . ظل يقلب نظره بين الصورة والستار لاح له خيطا من الترابط بينهما حاول جاهدا إمساك بدايته . سحب البردة وهو لا يزال جالسا شدد من تعكرها والتفافها بعد أن قلص حجمها وعاد مقارنا بينها وبين اللوحة...

كان الرسام قد جاء باكرا اليوم لينهي رسم لوحته التي بدأها ليلة البارحة فاجأته هذه الحركة المباغتة إذ اختلفت البردة عن سابق شكلها وأبرزت تموجات جديدة على حلبة أشكالها وظلالها. صدم من هذا التغير العشوائي،قرر إنهاء مشروعه ونفض يديه من اللوحة بالكامل. لكن شيء ما دفعه للمواصلة، ترك مساحة قليلة بين نصف اللوحة التي أنجزها للشكل السابق وبادر يرسم من جديد..

لم يتوصل إلى الخيط الغامض الذي يجمع بين اللوحة والصورة فبدا له أن يجري تغيير على صاحبة الصورة المقلوبة . أنزلها أخيرا من الجدار وقص الوجه مستعينا بتحديد شعرها، فاخرج الوجه من مكانه وعلق الصورة بدونه بالمقلوب أيضا وقلب الوجه بان جعل الحنك يستقر مستندا بفروة الرأس الدائرية بينما ارتفعت الجبهة إلى الأعلى فتغطت العين اليسرى للمرأة بذيل شعرها . لصق الوجه على تلك الوضعية ثم قطع اليدين المستندتان على أريكة أنيقة، من الكتفين، بعد أن قص الجسد مع تحديد القميص، وادخل مكان الذراعين جناحين بيظاوين كانا يحددان في الصورة أعلى حاشية الأريكة . فبدت الصورة النهائية غرائبية تمثل امرأة مقلوبة الوجه ومجنحة . أخيرا انتزع الصورة من مكانها والصقها بالبردة، ذهل للنتيجة إذ تماهت الصورة المعدلة مع أجواء البردة وأصبحت منتمية لعوالمها . هاجت في نفسه أفكارا طافحة فشرع بالكتابة على الفور...

أنهى الرسام جزء من شكل البردة الجديدة وحمل أغراضه وعاد بسيارته نحو بيته. عند وصوله وضع اللوحة التي ضمت الشكلين غير المكتملين والمختلفين للستار      وطرح إلى جنبها اللوحة التي أنجز بها نصف الستار قبل أن يتعكرواستغرق في النظر أليهما . احضر في النهاية  قماشة كبيرة وشرع يعيد رسم النماذج الستائرية الثلاث ولم يكن قد وضع أي خطة معينة . رسم لوحة خليطه  للأشكال الثلاث وبعد إكمال النماذج ترك مساحة فارغة في المنتصف لونها بالرمادي الفاتح ورسم في هذه الخلفية الرمادية مخلوقا غريب، منهيا بإنجازه لوحته الغريبة بظلالها وأنوارها وكأنها تتصارع فيما بينها. شعر الرسام بسعادة فائقة وقرر عرض اللوحة في اقرب معرض فني يتاح له...

بعد أيام من ذلك كان الكاتب قد اكمل دراسة نقدية عن الرسم والأشياء وأشكالها، ومادته الأساسية هي تجارب فنية استغرق فيها وراقب تأثيراتها خلال الثلاث أعوام الأخيرة . ادخل فصلا كاملا كخاتمة لدراسته عن الحركة والضوء والظل  واختلاف الأوضاع على سطح الرؤيا . تحدث بشان كتابه مع أحد أصدقائه وهو مسؤولا عن إدارة الأمسيات والمشاركات في إحدى الدور الفنية التي تقع في مدينة كبيرة . رحب صديقه بالكتاب واعلمه بان عليه الاستعداد للتعريف بكتابه وتسليط الضوء عليه بعد خمسة أيام حيث سيقام معرضا فنيا سيحضره أدباء وشعراء ورسامون ...

افتتح المعرض ببعض القصائد لمجموعة من الشعراء الشباب ثم قدم صاحب المعرض صديقه الكاتب وعرفه للحاضرين طالبا منه المباشرة بالتحدث عن دراسته النقدية . أوجز الكاتب مختصرا لمشروعه النقدي الجديد مسلطا الضوء على الفصل الأخير من كتابه. نال حديثه استحسان اغلب الحاضرين وعلا التصفيق مالئا أرجاء القاعة الكبيرة . ثم جاء دور كاتب مغمور ليتحدث عن روايته التي أنجزها حديثا بعنوان (قصة رسام)، قال انه جمع مادتها الأساسية من متابعة رسام غريب الأطوار، ظل يتابعه سنة كاملة تقريبا . وكان الرسام يمارس هوايته في كل مكان حتى انه رآه يرسم في أحد الخلوات البرية. كانت الرواية حسب رأي المعنيين جميلة وممتعة واستقبلت بحفاوة في أوساط المثقفين . أخيرا عرضت لوحة غرائبية توسطها حيوان خرافي وكأنه قادم من عصر الكهوف ليطل على الحاضر بدهشة . تم التعريف بالرسام الذي أنجزها وقد أدهشت الحاضرين وبدت العقود المغرية تتوالى على الرسام لبيعها . انتهت الأمسية بهذه الإنجازات التي راقت الجميع...

 

..................

*القصة ضمن مجموعة بعنوان (من طقوس الفنان).

**لفظ مدمج من تسميته وتعريفه.

لاهاي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1101  الثلاثاء 07/07/2009)

 

 

في نصوص اليوم