تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

نصوص أدبية

مرايا الروح (نص مشترك)

قرأت الريح السؤالَ مطبوعا تحت إبط القبرة:

ما المرايا وما الصور؟

وهل كلُّ ما تعكسه المرايا ظل حقيقة؟

وما الذي تعكسه مرايا الوهم / الحلم..

وما الذي ينطبعُ على مرايا الروح.. ومرايا القلب؟

وعل أية المرايا تنطبع، رجفة القلب، وشهقة أشواق البدن؟!!

".. جاء ذلك في سفر الحسون، في كتاب الرؤيا.."

 

مرايا الصمت

تكتب لي..

توقظ خريفي المُجدّل في شفق المغيب، تملأ روحي بأنفاسكَ.. أغفو وأحلم بين سطوركَ.. أحلق والوقتُ نثار الياسمين..

وأنتَ هناك..

تنحتُ الصمت في مدن المستحيل، هل يزهرُ الربيعُ في خريف العمر  يا صاحبي؟

وهل نعيش ربيعا أخضر أطول من كل ما مر علينا من سنين!!

أُكتب إليَّ..

فأنا ما زلت على انتظار ربيعكَ، يزهر في خريفي يأخذني إلى عمر جديد..

قُلْ أنك ولدتَ مع رفة روحي..

ولم تبرح يوما جوانحي..

كن معي هذا المساءَ

لنرَ كيف يمازج العشبُ جرف النهر

لنغسل وجه القمر..

ونرتل فوق جراحنا..

نصبح سربا من حمام..

نملأ الدنيا سلام..

 

مرايا الياسمين

مر الربيعُ على جفاف الياسمين، وأتى والصيف، فهل ما زالتِ على عاداتك تنتظرين بزوغ القمر على مخمل الليل بعد هجوع الكائنات؟

وهل يطلُ عليكِ الفتى مطبوعا على وجه القمر؟!!

وهل ما زالت الريح توشوشك حتى يأخذكِ إلى  الخدر، النغم

أم تراه غابَ القمر؟

وماتت الريحُ قبل ميلاد السحر!!

وجف ريقُ الكمجات على هَرمْ.. صار كلُ ما يصدر عنها عويل ونواح..

ها هو الصيف أتى..

والحمامة ما زالتْ ترقد بين نهديك على بيض الانتظار..

لهفي عليكِ وعلى ذاك الفتى..

لهفي على قمر ضيعه المدى، ومضى على عطش، منذ زرعوا الدم بين الرافدين..

منذ سال دمُ الخديعة والوجيعة دافقا، طال أطرافَ صحراء النقب.

منذ أن ذبحوا نياط القلب وحزوا الوريد من عنق الوتر..

هل شنقوا فيكِ الأمنياتِ .. صوتك يعذبني من بعيد..

" كُن معي هذا المساء..

الحوت سيأكل القمر..

سيعلو موج البحر..

فتعال نطرز وحشة الليل..

ونشكل مدنا من النجوم والزهر "

تعال حيث تتراقص الموسيقى رذاذ ماء، يرطبنا، يغسل مسامات روحينا، ويعيد ترتيب الأشياء.. إغمضْ عينيك على وهجي، وحلق فوق بحاري ومحيطاتي..

حرر لجام الروح..

دع الروح تعدُ إلى أين تشاء..

 

حصان الفرح

هل تذكر تلك الليلة؟

كان النسيم نديا، والريح تتأوه على غنج الدلال.. طرت بي على حصان الفرح إلى غيمة معبأة بالعصافير.. وكان عازف الكمان يلعب على شبق الطرب الأصيل..

كان الليل لنا.. والقمر.

 وكنتَ كل الوقت ترمقني..وكنتُ أحترقُ بلذة الحروف، وأنتَ على يقين أنكَ اخترقت مني الروح.. وأنكَ..

" ترطب صباحاتي..

يطوق الياسمين كل آهاتي..

فيصير شوقي لمداك أكبر..

أكتب لي ما شئت ..

كن الفكرة لشرودي..

وكن المعنى لوجودي.."

هل كان الوقت يلعب بي، والغياب يمدُّ لي ذراعه، في مساءات الرحيل، ولم يتبقَ لي منكَ غير حلم يسامرني.. وصوت تحمله الريح:

" قل لحبيبتي تنتظرني.."

ما زلت تسكنُ صدري.. تسري مع دبيب النبض في مجرى الوريد..

 

مرايا الكمنجات

gareb_askalaniكيف الوصولُ إليكِ، وأنا المسمرُ على حذر الانزلاق إلى جرف النهايات.. سرقوا قوانين الكون، سملوا عيني، أطفأوا شمسَ الله في رابعة النهار.. صارت العتمة من حولي سيدة الحال في عز الظهيرة.. شنقوا الكمنجات بإنشوطة جدلوها من حبل الوتر..

فقأوا عين القمر

لا ليل لي.. ولا أشهدُ ميلاد القمر..

والسماءُ مطرزة بنجوم نائحاتٍ في عرسٍ قتيل، والريحُ شائخة تحمل رجع أشواقٍ بعيدة..

تصل الريح مجعدة في النزع الأخير، تخبر الصبايا الصائمات عن فرسانهن قسراً، بأخبار امرأة الفرح تتهيأ بالبهاء كلما هلَّ صيفٌ.. ربما يأتي فتاها مرسوما على وجه القمر..

هل هي أنتِ، من تطلين عليَّ في الحلم على وجه القمر، وأراك مع بحة صوتكِ راجفة عاتبة..

الليلة لن أبكي..

طيفكَ الباهي حاضر معي..

لكأن حضورك الموعود، الذي لا يأتي..

صاعقة تضربني

ولا تقتلني..

إخمد فيَّ هذا الشوق المطرز بشمس تموز..

وبساتين النخيل وجرف النهر

أُعبر ضفاف الروح..

واشعل لوحشتي ألف قمر

واترك خطاك في كل شبر

وانفش ما بيننا..

على كل حجر في الطريق..

حتى لا يضيع لنا أثر..

 

أطراف الصمت

حملتني الموسيقى إلى ما بعد الغمام، طفلة ضفائرها الشمس،كفاها مصبوغتان بحناء الهيام.. عصفورة حملني خيط ضوء إلى هناك.. إلى صفصافة تنام في باحة داري، كم خبأتني في عبها.. كم صامت على أسراري..

هللت الصفصافة.. رقصت.. أخذتني إلى حضنها.. حدقت في حناء كفيَّ.. سألت:

- أين هو؟

- أخبرني أنه سيسبقني إلى هنا!!

ذرفت الشجرة دمعتها اليتيمة غاصت الدمعة في الأرض..

انبثقت وردة حنون.. صارت ضوء شمعة..

وصرتُ أنا عروسا في ليلة فرحتي

أغفو على زندك..

تمسح عن وجهي ملح الدموع..

تطوقني..

أنفاسكَ تشعلني وجدا..

فجأة..

هبط على هامة الصفصافة غرابٌ يحمل فرخ بوم.. وفجأة هطلت السمار مطر دم..

وصحوت.. وحيدة على شرفتي.. أنتظرُ وجه القمر، لعلك كم مطلع الفجر تأتي..

ولكنْ يخذلني الهيام، يجرجر الصمت أذيال شوقي، وتذوب في حنجرتي الحروفُ ويموت فوق شفاهي الكلام.. وعقارب الساعة لا تكفُّ عن الدوران..

 

توائم الروح

يخاتلني الوقتُ، ينثر في دروبي الموبقات، ينشر عند نواصي الطرقات، نساءً خرجن للتو من مفازات الغواية.. كلهن جميلات.. فاتنات فقدن بريق الروح يصدح من أعطافهن ضجيج الشهوات..

كلما أوغلتُ في وجوههن تخرج عليَّ من كهوف العيون، إناث غربان وبوم، ينشبن مخالبهن في عنقي، يلعقن حتى الثمالة من دمي، ويقعن صريعات، يتفجرن عن نتن الخديعة.. لا يعرفن أنَّ عين قلبي لا تبصر من النساء سوى امرأة، عند ناصية الوجد تنتظرني..

يخاتلني الوقتُ يا أميرة وقتي، كلما لذتَ بالحلم.. يهزأ مني:

- هذا زمان الصراع عل رخيص الشهوات..

- ليس زماني!!

- هذا زمان مات فيه الوجد.. صار الوجد من بقايا حكايات الغابرين..

لكن امرأة، أورقت في صدري، قرنفلة  بطعم الياسمين تطلق نوارا من فراشات البهاء..

هل يدرك الوقت أن الحلم في زمن الخديعة قد يملك بيانات الحقيقة؟!!

وهل يدرك من شنقوني على وتر الكمان، أن توائم الروح تجتاز الفيافي والقفار.. تعبر المسافات في رفة عين إلى صفصافة الدار هناك..

قال شيطان الوقت:

- خذوه، وعلقوه بحبل من نياط القلب، واجدلوا من أوتار الكمنجات سوطا واجلدوه.. حتى إذا ما حشرج الآه سوداء بلون الفحم أشنقوه وعلقوه على بوابة الوجد عن ناصية الهيام..

عندما فعلوا نبتت أجنحتي، فجأة طرتُ اجتاز المسافات إليكِ..

لا تغسلي الحناء..

فروحي ارتسمت على كفيك وارتسمت على وجه القمر..

هل تصلكِ وشوشة الريح بحكايات القمر؟

إرهفي لصوت تحمله الريح عند ميلاد السحر..

 

مخاض الليل

حدثت الصفصافة، أن سرب عصافير نام في حضنها هدأة الليل، وعند الفجر طار.. لم يكن في السرب قبرة الهديل، ولا الحسون جاء.. أخرجت الصفصافة قلبها قلبته في ضوء الشمس تستحلفه:

- هل سدوا المنافذ وصادروا الدروب في فضاء الله؟!!

مرت الريح على خجل محملة بالحموضة.. شهقت الصفصافة:

- ويح قلبي.. هل كنتِ يا ريح هناك؟!!

بكت الريح على وجع:

- العصافير في غزة، تحت القصف، عارية من ريشها، تجتاز المدى نحو القمر، والقمر تأخر عن مواعيده فقد ثقبوا جلد السماء، ولا مطر!!

- والقبرة يا ريح؟

وصحوت..

الوقت نهايات ليل، وحجرتي تلبس أوجاع الرحيل.. تغزل العناكب في زواياها انكسارات القلب، تعلقها أوسمة على الجدران.. تنفض غبار الذاكرة رذاذا ورائحتك تملأ المكان.. يومض وجهك يشطرني نصفين..

نصف شهوة..

ونصف لهفة..

ويتركني مثقلة بك إلى حد الموت  و..

ينسل من حجرتي غناء قديم..

فيما تسرج هوادج الروح

أحلام الوقت وحكايات الوطن..

تحت قنديل عينيك يتوهجُ العمر

وتشتعل السنابل في حقول الوطن..

وقضيت الليل انتظر عند شرفة الحلم، حتى داهم الليل المخاض، وانبثق من رحم العتمة  ضوءٌ حاملا معه حسونا، أدماه السفر.. وقف على نافذتي وتسمر على دمعة بين اللهفة والاعتذار.. أخذته بين نهدي وحضنته بحمامة صدري.. وشوشته:

- مهما نأت المسافات بيننا ها أنت تعود..فالحزن سليل المنافي..

ووجدتني..

 أتكور على سرير وجعي

احضن نثار الأمس في ذاكرتي

المكلم بقايا الكلام

وأنتحب..

كطفل، ضاع منه الأمان..

 

نافذة الوهم

لا زالت المرأة معلقة من جدائلها تنتظر الحسون يأتيها وقد اكتمل ريشه.. ولا زال قوس قزح يؤجل مواعيده حتى يكتسي الحسون بالريش..

" ..جاء ذلك في سفر القبرة في كتاب الرؤيا.. "

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1112  السبت 18/07/2009)

 

 

في نصوص اليوم