نصوص أدبية

بربارة.. تستغيث

ملعبا لطفولة ونضوج وفوران الشباب في كل جزء مربع من جسد بربارة. هكذا كان أسمها الذي عرفت به. فوالدها كان مغرما بالاسماء الفرنجية. فآثر ان يطلق عليها هذا الاسم الغريب على سكان هذا الحي الشعبي. الجميع كان يفقد توازنه عندما تمر بطرقات المحلة. الجميع شبانا وشيوخا. فار الشباب في صدرها. وتورد الوجه توردا يخال للمرء بأنها أجنبية الخلقة. لاتتلفع بأي عباءة. تقفز على ارض المحلة المعفرة بالتراب قفزات فراشة. تهتز كل الاعضاء الانثوية فيها، إهتزاز أغصان ورود مبهجة. وما أن تقترب من دكان البقال العم عبد الكريم، حتى يتقاطر الشبان على الدكان بشكل يزعج العم عبد الكريم. وبكل وضوح يطرد الجميع ويقذفهم بأقذع الكلمات. وهويصرخ بهم قائلا:

-  أتركوني أشوف طلبات القمر.

لم تعر أهمية للجميع. وترتاح للعم عبد الكريم، لانه عجوز وجرئ ويسمعها غزلا فاحشا، تطرب اليه أيما طرب. وفي غفلة من المارة والمتلصصين، يغنم بقرصة خفيفة من نهدها. وتقابل قرصاته بترحاب ولاتبدي تبرما البتة. كانت لاتتورع ان ترتمي بين أحضانه، لولا انهما وسط المحلة، ولا ساتر يسترهما. كان بخيلا العم عبد الكريم، إلا معها فيغدق عليها بالحلوى والملبس ويقول لها بشغف مهوس.

-  بربارة ألحسي هذه "المصاصة" أمامي.

ما أن يشاهدها وهي تمرر لسانها على المصاصة، حتى يذهب بشبه أغماءة، وتسري الرعشة في كل أجزاء جسمه النحيل. فتبادره متضاحكة:

-  هـــه هـــه عمو.. إصح الناس يشوفونا.

ضجر والدها من تحركاتها. ومن تهافت الشبان عليها. الا ان لا أحد استطاع ان يظفر بشئ منها. ولعل العم عبد الكريم هو الوحيد، الذي كان يظفر منها بقرصة نهد. او دعك يد. وحتى بقبلة على خدها الاسيل المتورد عندما يسدل الليل ستائره.

فقرر الوالد ان يزوجها لاي شاب يتقدم لها، بعد ان أكملت السابعة عشر من العمر.

كان رحومي نجارا يكبرها بخمس سنوات، فارع الطول تلفع وجهه سمرة مشربة بحمرة شاب في تمام الصحة والعافية.

العزة بأكملها أحتفلت بمراسيم زواج بربارة من رحومي. أحتشدت النسوة في بيت رحومي. ووقف الشباب حول البيت. بأنتظار قدوم بربارة قادمة في زفة يحف بها الجميع راجلين على القدمين. وارتفعت الهلاهل العراقية "الزغاريد". وما أن هلت بربارة الجميلة، حتى خفقت قلوب الشباب أسفا وحسرة على حرمانهم منها. ودوت أصوات الاعيرة النارية وصدحت الموسيقى الشعبية. ورقص الجميع من بيت بربارة ولغاية بيت رحومي السعيد.

سحبت الام إبنتها الى غرفة العرس. وفي الغرفة جرت العادة ان يوضع فراش بسيط على الارض، الى جانب السرير الذي زين بفراش وثير. وطلبت الام من بربارة ان تضطجع على ظهرها على الفراش الموضوع على الارض. حيث تتم عليه مراسيم "الدخلة". خوفا من ان تلوث دماء البكارة الفراش الوثير المعد لما بعد الدخلة. كما طلبت الام منها ان تسحب قدميها الى بطنها. فيما غطت الام ساقيها بالكامل بفستان العرس. طبعا بعد ان أنزعتها سروالها الداخلي ووضعته تحت الوسادة.

أي ان بربارة الان في استعداد تام لاستقبال رحومي. بعد ان أخذت كل التوجيهات والتعليمات من الام، بأن تكون رهن اشارة رحومي الذي هو الاخر، تسلم توجيهات وتعليمات من الاهل والاصدقاء. ترشده الى كيفية إتقان مراسيم الدخلة.

دوت الموسيقى الصاخبة في الخارج تعلن قدوم العريس. فأرتعدت فرائص بربارة وهي في وضعها الحالي. بعد ان تركتها الام وواربت الباب خلفها. وفجأة هلَ رحومي بــ " دشداشته" البيضاء، وقد أمسك بشفتيه طرف الدشداشة الاسفل، فبدا عاريا من سرواله الداخلي. وما أن سقط نظر بربارة على رحومي وهو في حالته هذه، حتى انتفضت من رقدتها فزعة، راكضة شطر باب الغرفة وهي تصرخ:

-  ألحقيني يا أمي رحومي يريد يبول عليَ.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1582 السبت 20 /11 /2010)

 

 

 

في نصوص اليوم