نصوص أدبية
طفلة الشعر
أن يبتكّر َ صورة ً لموسيقى
يصغي إليها الناس ُ بأبصارِهم؟
في لمسة ٍ وبكل ما لديه ِ
من حنان ٍ وشغف ٍ
وعلى قماشة ٍ من تراب
غمّس َ الخالق ُ ريشته ُ فيه.
تراب ٌ مازجه ُ عَرق ٌ سماوي
وثمة نجوم ٌ وأقمار ٌ وكواكب سُفح َ ضوءها
لتولد َ أنثى ليس بمحض الصدفة
كي ينحر َ الله ُ من أجلها قمرا ً أضحية ً
ثم يكون لها عائلة ً يغدقون عليها أسما ً
فتكون ( مينا )..
هي طفلة السماء
قصيدة حين تسير ُ
يتناثر ُ من شلالها الضوء
وإني حين أشعر ُ بالظمأ
يرويني منها الغموض ُ.
من حق السماء أن تتباهى بطفلتها
التي جمالها يُصقل ُ خشونة َ السجين
التي جمالُها حرية ٌ ولغز ٌ
الدنيا قبلها نائية
حين جاءت إمتلأت الأرض ُ بالمياه
نبت القمر ُ في السماء
وكبرت الأشجار ُ والمراعي.
كم من امرأة عُريت
كي يكسوها الله عريا ً يخطف ُ البصر؟
كم هي القلوب تتوجع لحظة تمرق ُ كالنسيم
لحظة تهبط ُ كمعجزة من السماء
وهي تتفتح كزهرة ٍ في شلال
أوهي تكبر ُ كالحب ِ على مهل ٍ
وتَنضج ُ كحبة عنب ٍ في العنقود
ثم تصير ُ هي العنقود ُ والشجرة
تصير الخمرة ُ المتلألئة ُ؟
في الكأس هي النار ُ والماء ُ
على الشفة تكون آخر قطرة ٍ
نلتذ ُ بها نحن المجانين
قبل الموت ِ بقليل.
في الوحدة جمالها يؤنس القلب َ
لمسة ٌ منها كي تينع َ زهرة ٌ في الروح
قطرة ٌ من شمسِها
تضيء فراغ العالم
كسِرة ٌ من حنانها
كي تغدو الحياة ُ قابلة ً للعيش.
يا الله..
ماذا أفعل ُ وقد جبلتها من نور ٍ
وخلقتني من تراب؟
ماذا أصنع بنظري المتساقط على قامتها
الممشوقة بقلوب أناث ٍ مكسورة ٍ
وشظايا ممالك مندرسة ٍ
وغبار قمر ٍ هوى تحت أقدامها ذاهلاً؟
ماذا أقول ُ لقلبي الطفل
الذي يفز ُ من شوقه ِ كلما مر َّ
طيفُها من أمامي؟
من يجرؤ أن يعشق َ نجمة ً
هبطت في الأرض َ لتتنزه قليلا ً
أو يصطاد ُ قمرا ً سابحا ً
على صفحة الماء؟
من نظراتها أفصل ُ ثوبا ً لأحلامي
من عريها المسفوح
وما تتركه من غبار ٍ مبعثر ٍ هنا وهناك
أبني بيتا ً يأويني في لحظات التأمل
لأكتب لها قصيدة.
يا الله..
أنت بريشتك الساحرة
كتبت للعالم هذي القصيدة
لكنها بعد إن إنتبهت
رأت نفسها في المرآة الجميلة
فصارت القصيدة ُ تمشي بقدمين من ماء
وجسد ٍ من شعاع.
صارشعرُها يهبط ُ على كتفيها
كليل ٍ أشقر َ
ونهداها..
تبارك نهداها إذ يثبان
حتى يلامسا سماء َ المَتَاهَة ِ
وحين يهبطان ليشربا
من بئر مودتي
كل ما أدخرت لهما
من لوعة ٍ وشغف ٍ وحنان.
تبارك قلبها الصغير كغابة ٍ
تخبيء ُ في ليلها العصافير َ والأسرار الصغيرة
تباركت الينابيع ُ التي تجرها خلفها
كموكب ٍ يسير ُ خلف الملكة
وما يضوع ُ من ثيابها
كي يَسّكَر َ الهواء ُ.
تَبارك َ ظلها وهو يسير الهوينى
هل أصلح ُ أن أكون لها الظل َ
يحرس ُ العالم َ من الجنون
يَلم ُ من خلفها ما يتساقط من لون ٍ
وذهب ٍ ومرايا وكسر قلوب؟
مينا...
لو أظمأ ُ وأشرب ُ سراب َ ينبوعك ِ ماء
لو أسكن ُ أنا وأنت ِ
ولو تحت شجرة حلم.
مينا...
هل يهرم هذا الجمال ُ
ينفرط ُ عقد ُ اللؤلؤ
وتتشرد ُ كلمات ُ القصيدة؟
مينا...
هل خَلَق َ الله امرأة ً قبلك ِ
من ضحك النجوم
وحنان قمر ٍ وديع؟
مينا لو تعلمين
كم تاقت الشمس ُ لحظتها للنوم
كم ودت الأحلام ُ أن تَشّرق َ
في رأس كل شاعر ٍ مهجور ٍ.
مينا...
كم بودي لو أكون لك ِ تفاحة ً
تأكلينها وقت َ الجوع
أكون ُ الثوب َ أو المرآة َ
لو أمشي بالمقلوب وتضحكين
لو في صدرك ِ المكنون
سرا ً أكون
لو أطيل ُ وقوفي
بين يديك ِ بضعة َ أعمار ٍ
أو أعود ُ طفلا ً
تطلعين لي على صورة أم ٍ
يرقص ُ وجهُها في الهواء.
مينا...
لو لم ترين إنكسِار القلب ِ
في باطن كفي
وكم مهشم ٍ هو الكون في داخلي؟
أو تدرين
كم طفولة ٍ ذبُلت
وصحارى ظلت قابعة ً
تحت شجرة الحرمان؟
مينا...
لو كنت ِ مثلي تسهرين
وترين َ كم أهرقت ُ من ليل ٍ
ودمع ٍ وتجاعيد َ وموت ٍ مُتخف ٍ
وكم روح ٍ عندي لأهرقها
وأهيل َ عليها شموسي؟
مينا...
يا شمسا ً مشغولة ً بأصابع مسجونين
يا صباح كل نافذة ٍ
وموسيقى تـُطرد ُ الوحشة َ
من قلب الحزين.
يا مطرا ً فاض َ على أرض ٍ يابسة ٍ
كي يمحو الجوع َ
وكي يغرق َ العشاق ُ
في بحر ٍ من التنهدات
وتفزعين َ لنجدتهم بعد أن ينغلق َ البحر ُ حولهم.
مينا...
من لنا غيرك ِ
نغرق ُ في الماء تارة ً
وتارة ً نغرق ُ في اليابسة.
مينا...
لو أصغر ُ أنا قليلا ً
وتكبرين أنت ِ قليلا ً
لو ينضج ُ رغيف ُ طفولتنا
ياسمين َ يُسقى بقُبل.
في ظلال نومك ِ نرقد ُ
نغوص ُ في الحلم ِ لنراك ِ
ونلمسُك ِ ونُفتَن ُ بك ِ
لنعود َ أطفالا ً أنقياء
وتعود ُ البراءة ُ للعالم.
شاعر من العراق يعيش في كاليفورنيا
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1583 الأحد 21 /11 /2010)