نصوص أدبية

صحيفتان، هديةً الى سيدة الظُّهور

لن أطلب الشمس

لا،

ولن أطلب المجرات.

 

التيجان للملوك

عصا الحرب للجنرالات

والمجد - كل المجد - للرؤساء والقياصرة

والبترول

 

أشتهي، فقط...

خصلة من شعرك

 

حتى لو بلغتُ آخر العمر

حتى لو قذفت مدبِّرةُ الملجأ

بجسدي الشائخ خارج السّور

 

حتى لو أغلقوا الكوّة الوحيدة

في زنزانتي

حتى لو وضعوني في حوض الأسيد..

 

سأهتدي إليكِ.

ومثل جروٍ أعمى

فُصِلَ - الآن - عن أمه النفساء

سأَتَشمّمُ أصابع قدميكِ

وأبكي.

 

في تموز

وُلِدْتُ

وبَلغتُ سنَّ الرُّشد

 

في تموز

عرفتكِ.

 

في اللحظة التي عرفتكِ فيها

عرفت شبابي

وهَرِمْتُ.

 

في تلك اللحظة

عَرفتُ الله

ورَجَمْتُ هذا العالم

بخرطوم خِرتيت ميّت

 

قلبي الذي أحبَّكِ،

مقبرةُ أطفال

وأنتِ سياجها

 

يذكرني بكِ المطرُ

عندما يغسل الرملَ باحة السجن.

 

يذكرني بك..

نعاسُ الحدائق،

فتأتين إلى وحدتي

متوَّجةً بالآس

وبَعْضٍ،

من سَقَرْ

 

اخَتَبَلْتُ.

نعم. ها إني أعترف: في ذلك اليوم الممطر

من تمور، اخَتَبَلْتُ.

رأيتكِ في شارع الرشيد، يغمرك المطر،

بلا مظلة، ولا نقاب.

 

ماذا أُقدِّمُ إليكِ؟

في الطريق إلى صالة الفندق، تخلصتُ من كوفيّتي.

وحافياً وقفتُ أمام بائعة الورد. ابتعتُ زهوراً،

وجريتُ خلفكِ.

ألا يحق لي أن أختبل، خمس دقائق فقط، نعم،

إنني اخترت الخبالَ دقائق معدودات. وهكذا: اقتربتُ منكِ، عاينت حذائيكِ المبلّلين بالمطر، وتقصّيتُ حبات المطر عند مفرق شعركِ الأسود،

 واستنشقتُ عطركِ مبتهجاً بذلك المطر الميساني.

 

سبقتكِ خطوتين، ووقفتُ أمامكِ:

ـ : سيدتي.. سيدتي.

 وانحبس صوتي، سيدتي، وسمعتكِ تقولين للآخر:

ـ : ماذا يريد هذا المجنون؟

قال رفيقكِ:

ـ : إنه مجنون، فعلاً.

اللحظة، صرتُ الخبال نفسه. رميتُ كل الأزهار، واحدة بعد أخرى،

فوق رأسك.

آه، لو تعرفين، كيف كنتِ حينها؟: زهرة رازقي أسطورية.

 

ـ ماذا يريد هذا المجنون؟

ـ إنه مجنون فعلاً. ردَّ رفيقك.

وكنت مجنوناً بالزهور تحتضر على أرض الشارع، زهور تعفّرت بالطين، سحقتها الأحذية، ولوّثها بصاق السّكارى.

 

أخذتُ أجمع زهوري، زهرةً بعد زهرة، من بين الأقدام ووسط سخرية المارَّة. وضممتها إلى صدري،

 كانت زهوراً معفّرة بالطين، سحقتها الأحذية ولوّثها بصاق السكارى.

وكنتُ أعيط. أنا... آخر مجانينكْ

 

عند الفجر، قصدت مقهى تموز. اقتعدت الأرض، وتوسدت دكتها البليلة،

 ونمتُ.

حلمتُ باثنتين:

بكِ... وببغداد.

أنتِ المطاف الأخير

... وبغداد آخر الدنيا.

 

في الصباح، استيقظتُ على مواء قِطةٌ صغيرةٌ عمياء، تتقدم إليَّ، على ثلاث أرجل.

اجتمع المقهوران: ألقيتُ بكل زهوري، على قِطّةٍ عرجاء.. لا تُبصر.

 

كان ثمة شرطي يراقبني:

ـ ماذا يريد هذا المجنون؟

ـ إنه مجنون، فعلاً. ردّ رفيقكِ.

 

بكفّي اليمنى، استخرجتُ قلبي من صدري،

ورجمتُ به هذا العالم،

وأنا أُقهقه:

أنا.. آخر مجانينكْ!

 

صحيفة الرماد

لو أنّها، مرّة

في خاطري

مَرّت

كأنها الدنيا

في خاطري

مَرّت

 

-2-

الاسطبلات بلا جياد

البراري خلت من الغزلان

الأطفال بلا دُمى

النفانيف لم تتعطّر

الأقمار بلا سماوات

السماوات خاصمتها الفضاءات

أنتِ، وحدكِ،

غزالة البراري

وسيدة الأقمار

 

-3-

مُنذُ أقدم الحقب

مراهقون وساحرات

عنادل ولبؤات

يرقصون في حدائق قلبي

أنا صغيرهم

الذي علمهم الحب

رغم سنوات عمري الألف

 

-  4-

نادلةُ الحانة

لا تعرفكِ

لكنها

- إذا رأتني أفكّرُ فيكِ -

نطقتْ باسمكِ

وضحكتْ

 

-  5-

أنا طفلكُ السماوي

أهدتني أمي اليكِ

قبل قرنين من زفافها

تعالي. خذيني  « إلى الذّيد »  أو « رؤوس الجبال »

إلى  « حراء » أو « الحِيرة ». إلى « القارة السادسة »  أو « بنات نعش »

تعالي إليَّ وخذيني منّي إليكِ

 

- 6-

سَيّدةُ الرماد، أو عاصفة البنفسج في دمي.

امرأةُ العذاب المختار كناموس

امرأةُ الفضّة الغالية كالبياض

امرأةُ النوافذ والبراري وحقول القمح

امرأةُ الغرفة التي مثل قلب عندليب

امرأةُ الصمت والانتحاب

امرأةُ الرماد،

الرماد الذي هو دمي

امرأةُ الرماد الذي هو قلبي

تاهت مني في الحلم.

 

- 7-

مثل كمانٍ ميت

أو حَوارٍ يستعد لإستقبال

طلقة الرحمة

كان قلبي يستعد لليقظة

 

- 8 -

في غرفة غافية كالبياض

أو في كلّة« عرس

استأذن قلبي الأرق

وكسّر المشارط

 

-  9-

عندما مرَّ بي المشيّعون

أمام بوابة الحديقة

قالت زهرة الأوركيد:

هذا شهيد آخر.

 

- 10 -

عندما حملتني أكف المشيّعين

وداروا بي ـ حسب وصيتي ـ

حول سور المدرسة

قال الحارس الأشيب:

هذا آخر مجانينها

 

- 11 -

في عنبر الموتى، عندما رأيتكِ

تلقين عليّ نظرتكِ الأخيرة

استيقظتُ من موتي

لأموت، مرة أخرى،

بين ذراعيكِ

 

-  12-

سَيّدةُ الرماد، تمرُّ الآن،

في دمي

عاصفة بنفسج

وقطيع أفيال بيض.

 

...........................

من: الملحق الشعري ـ رواية : المقامة اللامية

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1584 الأثنين 22 /11 /2010)

 

في نصوص اليوم