نصوص أدبية

أيتها الموسيقى، فلتأتي وتدهشيني

كانتا تفتقدان الجميع ولا شيء، حين بدا كل شيء حولي، كومضة تلتمع وتلتمع كما في اللحظات التي تأتينا قبل الابتسام.       

فيينا، مئات المتاحف وآلاف النوافير، والمقاهي الأطول عمراً من حزن، والدانوب الأزرق، كلها كلها تضج بالموسيقى.

بفيينا أنا تحت الشمس، بين الناس الآخرين، مدفوعة، مخطوفة، مجذوبة، وعجولة نحو اكتشاف الأشياء، وفي تفجّر الموسيقى بقبلاتها القرمزية، أنزِلق في الفرح، أنغمس فيه، أضيع في الصمت بكل أبعاد الكلام.

ستسمعها برغمك، وأنت تتأمل مشدوهاً مثلي، ومثلي ستُفقدك أُبهة الأماكن الزاخرة بالأناقة واالثراء صوابك.

بين جدران القصور الفخمة وسط الحدائق، كما بالضبط وسط المدينة، حيث تلتقي معظم الطرق المؤدية إلى دار الأوبرا، بأجنحتها الملكية ستلاحقك الموسيقى.

في تجوالك بين أروقة المتاحف، التي ستأخذك إلى أدنى من قوسين قاب من القرن السادس عشر، لتشاهد ممتلكات الدوق فرديناند والامبراطور رودولف الثاني.

بوسعك هناك التقاط أنغام ناعمة، تأتيك من بين مجموعات الحُلي، تتمايز جنباً الى جنب، مع فنون مصر القديمة واليونان والدولة الرومانية حتى عصر النهضة، في متحف الفنون الجميلة.

ستأتيك هادئة وكلاسيكية، في خطوط لوحات غوستاف وأوسكار، وحالمة، كما في لوحات الانطباعيين الفرنسيين رينوا ومونييه بمتحف بلفيدير.

لن تغادرك بأي مكان ـ الموسيقى ـ حتى وأنت تتجول مدهوشاً، وسط 20 مليون قطعة عرض نادرة، لكل المخلوقات الحية، التي استوطنت الأرض يوماً حتى العصر الحديث، بمتحف التاريخ الطبيعي.

سيخالجك عزف الكمانات والسكسيفون في متحف واين، الذي يختصر تاريخ فيينا العريق منذ قرون، في عدة طوابق من الفن والأزياء والأناقة والسياسة والدين، إلى ثقافة الحياة اليومية لسكان المدينة.

ستغور بك وتغور وتغور، وهي تكشف لك الموضوع العام والاجتماعي والثقافي والتغييرات الديماغوجية، في المناطق الحضرية مقارنة مع سائر مدن البلاد.

هناك بالمتاحف، كما بالشوارع والأزقة، وأمام المحال والنوادي، ليس بوسعك الهرب من الموسيقى ولو اختبأت في معطفك، ولو تواريت في مترو أو ترام أو سيارة تاكسي، ولو لُذت بصالة سينما أو انزويت في كرسيك بالفندق، سوف تلاحقك معزوفات موتزارت وشتراوس وبرامس وشوبرت وهايدن وماهلر وبيتهوفن.

طلبة معاهد الموسيقى ومدارس الفروسية ومصممي الاحتفالات وموظفي الأوبرا والمشردين وممثلي المسارح والمهرجين، يطوفون بالساحات ويقفون بالزوايا، أو يجلسون على الأرض بالحدائق والميادين وهم يعزفون لك شيئاً.

على ضفاف البحيرات والشلالات الصناعية ومشاتل الورد، وبالقرب من القصور والكنائس وأحواض صيد السمك، وعند شرفات البيوت وأعمدة الكهرباء الأنيقة ستولد سيمفونية، بتلك الحركات البارعة، وذلك الوتر المنتظر، كي تدوّي الانغام الصافية، وتسكن الروح في الماديات فتعيد صياغة حلمك الذي قهرته التجربة والزمان.

 

وفاء البوعيسي

كاتبة ليبية مقيمة بهولندا

[email protected]

 

 

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1591 الأثنين 29/11 /2010)

 

 

في نصوص اليوم