نصوص أدبية
الخنــــــــدق
قال العريف عبد: لا أريد أن يلفونني بعلم مبقع الألوان يسلمون جثماني إلى امرأتي الشابة التي لم انجب منها بعد إلا نجم ونجمة، تعطيها الحكومة ثمنا جيدا لتحمل بعد ذلك لقب امرأة الشهيد، يمكن أن تبني لها بيتا وتقبض أول كل شهر راتب الشهيد ليهنأ الذي يتزوجها من بعدي وأنا أتفسخ في قبري سعيدا من أجل الوطن،.. صرخ عبد لالا..لا لا أريد أن أموت وعندما نسي نفسه ورفع قامته إثر انفعاله الأخرق كانت رصاصة القناص تبحث عن مكان في جمجمته، مات العريف عبد وهوحانق ورافض لفكرة موته، لم يكن عسيرا علينا دفنه في مكان ما من جوانب موضعنا الشقيّ، سريتنا كل فصيل فيها مشغول بدفاعه ونحن لا يمكننا الأنسحاب تحت هذا الوابل من الرصاص وقذائف الهاون ومعلوماتنا تشير إلى انهم أمامنا وخلفنا، في الليل لا ننام أبدا دون أن ننسى انهم يملكون نواظيرا ليلية كما نملك نحن، تخيفنا أحيانا الكلاب السائبة فقد تعودت على أكل جثث الجنود الذين لا يمكن اخلائهم في الأرض الحرام، رأيت ذلك بعيني كانت وليمة للكلاب تلك الجثة تقضمها الكلاب قليلا قليلا، في الليلة الأولى اختفى نصف الجثة الأسفل، وفي الليالي التي أعقبتها لم يتبق منها إلا كتلة الرأس أكلت الكلاب معالمها الرخوة أنفه اذنيه وخديه، صار بعد ذلك ككرة تدحرجها وتلهوبها الكلاب ليلا، وهكذا يمضي الوقت وتدهمنا صولة الجوع، لم نكن نهتم في الأيام الأولى ولكننا الآن قد فقدنا القدرة على الحركة، والتراب لا يؤكل ولن أستطيع أكل الفئران وإن مت جوعا، أمامنا على بعد مائة متر فقط مزرعة لوبياء وبطيخ كان ذلك ألذ ما نتشهاه، ما الحيلة والقناص بالمرصاد ليلا ونهارا، لم يكن احد منا نحن الثلاثة ليستطيع إقناع الآخر بأن يكون الضحية القادمة من أجل البطيخ واللوبياء، لذلك لم يكن أمامنا إلا القرعة وقد وافقت عليها بسرعة وبحماس ذلك لأنني سيء الحظ بالقرعة لم يظهر اسمي يوما فائزا في قرعة لذلك كنت شبه متأكد من عدم فوزي بالقرعة وقلت في سري هنا تكمن فائدة سوء الحظ، لكنني لم اعلم أن الحظ السيء سيجعلني فائزا في الإقتراع وهكذا كان علي أن أتقبل النتيجة بصدر رحب، أجرينا قرعة الموت في منتصف النهار وعلي أن أزحف ليلا للمزرعة أجلب منها البطيخ واللوبياء وإلا متنا جوعا وكان برميل الماء في الموضع لم يتبق منه إلا قليلا في القعر، كان أمامي متسع من الوقت لأقلب تصوراتي عن نهايتي المحتملة ثم رحت أقص عليهم كيف إنني سأموت الليلة ولن يستطيع أحد جري إلى الموضع ودفني جنب العريف عبد وراحت خلايا جسدي تتقبل فكرة المرور بين أنياب الكلاب واختفائي شيئا فشيئا في بطونها الجائعة، وعندما ألقيت نظرة فاحصة على أفكاري المشوشة وجدتني أحسد العريف عبد وهومطمورُ جنب إخوته الذين لا زالوا أحياءً، كيف لا أحسده وقد تمدد على تراب رخوودود وأنا سأنتهي في بطون الكلاب، قلت في سري ياله من محظوظ، ورحت بعد ذلك أدندن أغنية حزينة ورأيت انها خاتمة جيده سيبقى صداها برؤوس الباقين ولم تكد الشمس تغيب حتى اندلع قصف كثيف من جهة ما لا نستطيع تأكيدها فنحن في المنطقة الميته حيث تمر من فوقها آلاف القذائف المتبادلة ما كان لنا إلا أن نختفي في الموضع العميق المسقف بخشب اعمدة سكة الحديد السميك والمدفون جيدا بأطنان من التراب، بعد فترة ليست بالقصيرة ساد الصمت وبدأنا نسمع بعض الأصوات وصليل سرفات الدبابات، دخل علينا رجال عفر الوجوه كانت قوانا خائرة لا نقوى على شيء، رفعنا أيدينا فوق رؤوسنا، ضحك الجندى المترب الوجه قال: لقد انتهت محنتكم، سمعنا ما قال ولا زلنا راغعي الأيدي فوق الرؤوس فقد اتفقنا أن نبقى أحياء، قهقه الجنديذوالوجه المترب، وكان علينا استيعاب الحدث ببطيء.. بعد سنة كانت زوجة العريف عبد قد تزوجت ابن عمه ولم يكن من بد الأستمرار في الحياة، لم تفارقني صورة الكلاب وهي تدحرج كرة صنعتها هي.
............................ الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد: 1603 السبت 11/12 /2010)