نصوص أدبية

فرات الخالق

 أسلاك ومدويات ترقد في رواقها

 المأخوذِ بالمد والجزر، بالغبار الأصفر، لاهثة في كل ليلة تأتي، بالقرب مني تظل عارية، كالحرف.

 أراها كما ترى أنتَ البحيرة والرمل، أحادثها كما تحادث حبك في الهاتف الخلوي.

 بلغط يماثل الأرق تأخذني قبائل منسية الوجع، من بينهم سيدة. بجدائلها المنثورة تقدم من سفح الرياح

 تارة برذاذ المطر تارة.

كل ليلة تتغير سحنة باحتي، ينسل في حديقتي ما لا يحصى من الملائكة المرأة ذاتها.

تُحَدقُ بظل المكان

تكلم غيمة

في صوتها تتعثر حشرجة. في مرآة عينها بحيرات ومناديل شاحبة، دمع، وفي حقائب ليلها

 تحزم ما بقي من آثار التردد، أزيز القلم، مشطورة وملومة الأبعاد، في سكونها أرى امتداد

الكواكب، معبد وفسحة خيمة. تَرحلُ كما جاءت في غشاوة فجر. صافية من قذى الليل

 ومخاوف الهتكِ. كبرياء ضيوفي صمتي وعفة الرواق هناك تقطن. في بياض يدي أسماك،

 دفتر، قارة تحاكي مشيتها وجدائل حلمها. موعدها، برد وهي تسكب قطرة :

 سأمنحك حواء وآدم، آخر رنين صوتها في الباحة. فكرةٌ فائضةٌ. تلعب في وشاح الأثر، غجرية،

ملامح الصحراء والأندلس، كل ليلة أسمع حفيفها المدبجِ. بعيدة. شعاع يخطف كبرق الصوفي والمتسكعِ.

 

 أسمكِ؟

قلت مرة وبالكاد من فمي تهللت كوة النعاسِ. البوح والصمت،

اسمي ألا تقرأ في خطوط يدي حروفاً نسلتها العصور والرسوم الباذخة؟

 هل أدخلُ ضيفة على حقولك النائية كوداع الطائر العابر، خطوات دربك العاثر،

 أما زلت تحت قبتنا الزرقاء تناغي فنجان القهوة، دلال اللعبِةِ؟ شرفة تُؤانس الساحل

وذروة الجبل.

هوة.

 ما بين مناطق غائرة في لمح البصر، غلالة، تراتيل وضحكة الطفل. عيني الشغوفة

من البحر أسحب موجاً، زبداً في صرتي مدفونة حتى العنق بالنطق المقدس،

 أسبح وشقيقاتي الجن والأنس. ستنظر من خلف حجب الذكريات،

 أتفتحها؟ يأتيك عطر ودخان محبتي. في رواقك المُستكين أراكب مشية النهر

خرائب المنزل وغبار الصيف، بالأمس أبقيتها أنا، قصتنا على أخطائها

ولم أتلفت نحو البراري الماثلة أمام عيني ولا لظل الغزالة.

هي أنا.

إذا ما ضاعت يوماً أضيع إلى الأبد. يرق صيفي القائظ، رغم هامتي المحنية، والوجع القائم قبالتي.

في وضح نهاري دخان ليلي تتشقق شفاهي من العطش، وكأن فرات الخالق يفر من بين أصابعي

أحمل فوق ظهري غابة ما بين لهيب الصحارى وعزلة المتنسكِ. لا تخف. ما بعثته لي في الرسائل المشفرة تغرق بالدمع أعوام تغيب ولحظة تكون بجانبي في الصورة تختلط الأحشاء ووشوشة الوعد. أنتَ... يا الله... أنتَ ألم أهمس في  أذنك عمري قبل طين التكون والكائن؟ تراني في ندرة أحلامك أتهاوى ما بين حزن الفراق ورعب الطلقةِ

تعال أنت ما راح بك المد محاذاة النفي والغرين. لا بيت عندي يسكنني الشارع والمرسم، وفي أبجديات الشعوب

 كانت أصابعي تعبث وتلامس خصلات بغداد تحترق، تقوم تتعثر وأزقة الموت أمامي خلفي، وها أني أولج في أبدية النسيان، شظية والثانية تلاحق خطوي.

يا أنتَ، كيف ترقد تستكين تنام عينك والسكين من فوق أعناقنا تستشيط، تلهث، تراوغ،

 تقتل حتى رائحة الطلع؟ إليك ما أسررت بعد بداية لوعتي، ما حرك عنقود غضبي، يا شاهدي،

 في ليل الفزع، أتظل دجلة تنوح على تراب الضفة، والفرات يقطع كل تلك المسافات حتى يظل غائباً

عن عين الخالق؟ وكيف إذ ما نط من بطني مسخاً في مكان النغم، إذا ما استدارت الشمس لكي تشرق من العتمة

وتغيب في دياجير القطب الأبيضِ، متى تحمل لي قنينة العطر، كحل العرائس، الدفاتر والورق المخطط، وقد

تقرأ يوماً إيقاعات تلعثمي.

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1137  الاربعاء 12/08/2009)

 

في نصوص اليوم