نصوص أدبية

رضي الله عنك يا عائشة.. رضي الله عنك يا خزنة!

 أذكر أني شردت عنها حيث انغمست في تفرس وجوه الباعة، والمشترين، وأصواتهم اللذيذة.. انغمست لأنهم حملوني على جناح طير إلى العراق، إنهم يشبهونه تماما.. ولهم نفس السحنة!

 

أمسكت بذيل عبائتي وجرتني، فصحوت من شرودي.. وتيقنت بأني أمشي على أديم يفصلني عن بيتي بضعة كيلو مترات، ويصيح فيه البسطاء على كل شيء يبيعونه..

 

عائشة نفسها أخذتها السكرة، أقفلت على عصفوريها خوفا من أن يعبث بهما أخيها الصغير، ولكنها ضيعت المفتاح، بقيت يومين تتنصت على صوتيهما فقد كانت تميزهما بشدة، جائتي وهي تبكي معلنة تأكيدها لوفاة أحدهما- الزوجة- قمنا بكسر القفل، وبالفعل كان كما توقعت، شعرت بالذنب، بكت، وبكيت، ثم حملته خارج المنزل ودفنته..

 

اليوم وأنا أفتح النافذة على البحر لأرمي باختناقي.. استأذنتني عائشة في الخروج :

- ممكن أزور قبرها ؟

- وماذا ستفعلين هناك؟

- سأقرأ لها الفاتحة.. أمممم وسأدعي لها!!

تركتها تفعل مايحلو لها، شيء ما يعصر فؤادها حزنا، ولكنه حتما من نافلة الحزن!

 

بقيت متسمرة أمام النافذة وأنا أقتسم خزنة المذبوحة، أشرع صدري المخنوق وأرمي به في البحر، شعرت بضعفي، وعجزي، أمام الأرقام التي تقيأتها السماء، كدت أسقط على وجهي لولا عائشة التي اقتحمت خلوتي لتخبرني بأنها أطلقت سراح العصفور الثاني، لم يكن بوسعي سوى أن ابتسم في وجهها الصافي، أشارت بيدها إلى سور بيت الجيران، قالت لي : انظري ماما لم يذهب بعيدا.. رددت عليها بجواب لم تفهم منه سوى دموعي: القاتلون ذهب بهم خازن النار –مالك- عابس في وجوههم السوداء ومقطب من حاجبيه، أما الشهداء فقد أخذهم خازن الجنة –رضوان- إلى آدم الذي استبشر خيرا بأرواح المؤمنين اللذين استعجلتهم القيامة، وروعوتهم وهم نيام، معلنا عنهم في السماء: هذه روح طيبة خرجت من جسد طيب..

 

أليس كذلك ياعائشة؟!!

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1137  الاربعاء 12/08/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم