نصوص أدبية

من أشعار أرتور رامبو

 

1- كوميديا في ثلاث قبلات (نشرت في الهلال)

كانت متجردة مما يسترها

وهنالك أشجار متطفلة ضخمة

تضرب بالأوراق زجاج النافذةِ

بخبث... عن قربٍ... عن قرب

 

جلسَــت في كرسيّ ضخم

شابكة ليديها، كانت في منتصف العري

وعلى أرض الحجرة تهتزان بحرية

أعني: قدميها الرائعتين الرائعتين

 

لاحظتُ ولوني لون الشمع

شعاعا رفافا يتسكع

ويرفرف في بسمتها

وعلى النهد... ذبابة ورد

 

قبلتُ الساقين الناعمتين

ضحكت هي في خبث ضحكتها

المتفتتة إلى بلور أغاريدٍ

وكرستال.

 

قدماها، من تحت قميص شفاف

استأذنتا: : هل يمكن أن تنهي؟"

أولى ترنيماتٍ بدرت عنها

ضحكتها المتوعدة بفرطِ عقابي.

 

قبلتُ بلطف عينيها

الواجفتين بمسكنةٍ تحت شفاهي

دفعت رأسا يشعر بالإعياء

إلى الخلف... "وآه.. هذا أحسن!"

 

" هل تسمح لي بمجرد كلمات؟"

فطبعت بقية قبلاتي فوق النهد

جعلتها القبلة تضحك

ضحكتها الراغبة كثيرا أن....

 

كانت متجردة مما يسترها

وهنالك أشجار متطفلة ضخمة

تضرب بالأوراق زجاج النافذة

بخبث..عن قرب..عن قرب

 

2- أوفيليا

1

على الموجة الهادئة السوداء حيث تنام النجوم

تطفو أوفيليا البيضاء كزنبقة كبيرة

تتماوج ببطء شديد وهي في غلالتها الفضفاضة.

تُسمع في الغابات القصية صيحات هجومية

 

وهكذا تمر أكثر من ألف سنة على الحزينة أوفيليا

وهي شبح أبيض فوق صفحة النهر الأسود الكبير

أكثر من ألف سنة وجنونها الجميل

يهمس بحكايتها إلى أنسام المساء

 

تقبل الرياح صدرها، وتبسط - على هيئة تويجات-

غلالتها الرقيقة المتناثرة باسترخاء على صفحة الماء

يبكي الصفصاف المرتعش على كتفها

وعلى جبينها العريض الحالم تسجد أعواد القصب

 

النيلوفر المتجعد يتنهد من حولها

وهي توقظ أحيانا- في حرجات الماء الغافية -

عشا تصدر عنه رعشة جناج بسيطة

أنشودة غامضة تسقط من الأنجم الذهبية.

 

2

آه يا أوفيليا الشاحبة الجميلة كالبَرَد

أجل قضيتِ يا صغيرتي حيث جرفكِ النهر

والرياح الهابطة من مرتفعات النرويج العالية

كانت قد حدثتكِ- هامسة- عن الحرية اللاذعة.

 

وكانت هبة ريح مجهولة قد جلدت شعركِ

وحملت ضجيجا غريبا إلى روحك الحالمة

وكان قلبكِ يتسمع صوت الطبيعة

في عويل الشجرة وتنهدات الليالي

 

إن صوت البحار- كحشرجة هائلة-

يحطم صدركِ الطفولي، البشري تماما والرقيق إلى مالا نهاية

وإن- في أحد صباحات أبريل- فارسا جميلا شاحبا

مجنونا بائسا يركع دون همسة واحدة عند ركبتيكِ

 

السماء الحب الحرية: يا له من عام أيتها المجنونة البائسة

إنكِ تذوبين فيه كما تذوب الثلجة في النار

وأوهامك الكبار كانت تخنق صوتك

واللانهائي المخيف كان يرعب عينيكِ الزرقاوين

 

ويقول الشاعرإنكِ تحت أضواء النجوم

كنتِ تأتين مع الليل تبحثين عن الزهور التي تقطفينها

وإنه قد رأى على الماء، مغطاة في غلالتها الفضفاضة،

أوفيليا البيضاء طافية كزنبقة كبيرة.

 

3- للشتاء حَلـُـــمنا

سنسافر في الشتاء، في عربة قطار وردية اللون

ذات وسائد زرقاء

سنكون على ما يرام. عشّ من القبلات المجنونة يستكين

في كل ركن من أركانها الناعمة.

 

ستغلقين عينيكِ كي لا تلحظي عبر الزجاج

تكشيرة أشباح الليل

تلك المسوخ الشرسة الفظة

من الشياطين السود والذئاب السود

 

ثم تشعرين بوجنتكِ وقد خدشت!

قبلة صغيرة كأنها عنكبوت مجنونة

ستتحرك فوق رقبتكِ

ستقولين لي: "ابحث عنها" وأنتِ مائلة برأسكِ

وسوف نستغرق وقتا ونحن نبحث عن تلك الحشرة

التي تتحرك كثيراً

 

3- بوهيميتي

(هذه ليست فانتازيا أدبية، ولكن رامبو يرسم هنا صورة لمعاناته الحقيقية

حيث كان هكذا فعلا مابين السادسة عشرة وحتى العشرين) (مثاليا: كان يرتدي معطفا قديما مستعملا لدرجة أن ذلك المعطف توقف عن أن يكون حقيقة بل صار شيئا مثاليا بعيدا عن الواقع الملموس)

 

كنت أتمشى ويداي في جيبيّ المهترئين

معطفي هو الآخر صار مثالياً

تحت السماء يا ربة الشعر أسير مخلصاً لكِ

وآهٍٍ آه . كم من حب رائع به حلمتُ.

 

سروالي الوحيد به ثقب هائل

كنت في جولاتي مثل الصغير الحالم "عقلة الأصبع"

أفرفط القوافي ، وكان مقامي في " الدب الأكير"

وكان لنجوم سمائي حفيف جميل

 

طالما أصغيت إلى حفيفها وأنا جالس على حافة الطريق

في تلك الأماسي من سبتمبر كنت أستشعر

قطرات الندى على جبيني كخمر العافية

 

في الظلال الوهمية كنت أنظم أشعاري

أما قيثاري: فكنت أجذب شيئا طريا من حذائي الجريح

وأتكئ بقدمي على قلبي...

 

4- حكاية

اغتاظ أميرٌ لا عمل له إلا إتقان الكرم العاديّ

فتوقع ثورات مذهلة في الحب

واشتبه بقدرة من يملك زوجات أن يعطين سوى

لمع استلطاف ومجاملة بفضاءٍ وبذخ

وأراد استشراف حقيقة ذلك

لحظة إشباع الرغبات الحقة

وسواء ذلك زيغ عن درب التقوى أم لا ، فلقد شاء

ولقد كان له عمق إنساني، وكفاه!

 

كل النسوة من فكرن به خفن القتل

فانظر أي خراب حل ببستان الحسن

كن وقد رفع السيف عليهن يباركن هواه

لم يطلب منهن جديدات

لكن كن يجئن ويظهرن

 

ولقد أردى من يتبعه دون استثناء

لكنْ بعد القنص وبعد قرابين الخمر الكل يجيء!

وهو ليتسلى....حيواناتٍ فاخرة يذبح

وقصورا يحرق

يثب على الناس يمزقهم أشلاء

لكن لا يفنى الجمهورُ

وتلك الأسقف من ذهب لا تسقط

والحيوانات الرائعة تظل ولا تفنى

هل يمكن أن ينتشي المرء بتدمير ٍ

أو يتجدد بالقسوة ريعانُ شباب؟

هل غمغم إنسان بالرفض ِ

وهل قدم معترضٌ وجهة نظر أخرى؟!

 

ذات مساء

إذ وثب على ظهر الفرس بخيلاء وانطلقا

ظهر له جني ذو حسن خلاب

مخز ٍ أيضا

من هيئتهِ انبثقت بشرى حب متعدد

بشرى لسعاداتٍ

دقت عن وصفٍ ، ومن الصعب تحملها أيضا

جني وأمير ذابا في عافيةٍ أصلية

كيف إذن يمكن أن ينقـتلا منها؟

فمعاً ماتا

صاحبنا مات هنا في القصر وفي سن عادية

فلقد كان هو الجني وما كان الجني سواه

الموسيقا الراقية هي المفتقدة من شهوتنا

 

5- همجيون

بعد الأيام والفصول بوقت طويل، بعد البلاد والكائنات

سرادق من لحم دامٍ على حرير البحار وأزهار الشمال

(لم يعد لها وجود)

ترديدات أبواق بطولات سحيقة- مازالت تهاجم منا القلب والرأس- بعيداً عن

القتلة القدامى . آه! سرادق اللحم الدامي على حرير البحار والأزهار

الشمالية

(لم يعد لها وجود)

يا هذه العذوبات

جمرات يمطرن زوابع أمطار فضية- أيتها العذوبات!- تلك النيران في أمطار

رياح الألماس وقد أثارها قلب الأرض وقد تفحم إلى الأبد من أجلنا- يا

دنياّ !

(بعيدا عن انسحابات قديمة والمشاعل القديمة التي يسمعها المرء ويدركها)

الجمرات والرغوات . الموسيقى . تحوّل الدوامات وتصادمات الثلوج إلى نجوم

 

أيتها العذوبات يا دنيا يا موسيقى

هنا تطفو الأشكال، العرق، الشعر والعيون . وتغلي الدموع البيضاء، أيتها

العذوبات! والصوت الأنثوي الواصل إلى قاع البراكين والمغارات الشمالية

 

6- نائم الوادي

 (عندما نشر رامبو هذه القصيدة عام 1870 في البروجريه أعطاها عنوان: رسم كروكي للحرب. هذه السوناتا صورة كاريكاتورية للحرب التي دارت ذلك العام1870 0 ويلاحظ أن ذلك الجندي ليس نائما وإنما قتيل . ويلاحظ أيضا التقابل بين الطبيعة الجميلة المسالمة وبين ويلات الحرب، وكذلك بين فجوة من الخضرة وفجوتين من الدماء)

 

إنها لفجوة خضراء حيث يتغنى نهر

ناشرا وبجنون على العشب هلاهيلَ

الفضةِ ، حيث الشمس، من الجبل الأشم

تلمع . ذاك وادٍ صغير يموج بالأشعة

 

ثمة جندي شاب - فمه مفتوح، رأسه حاسر

رقبته غائصة في ذاك البقل الأزرق الطازج-

ينام: ممددا ما بين الأعشاب، وفي العراء

شاحبا في سريره الأخضر حيث يبكي الضياء

 

القدمان مندستان في البقول، ينام مبتسما مثلما

يبتسم طفل مريض، بل هو في إغفاءة بسيطة

أيتها الطبيعة! هدهديه بحرارة فهو بردان!

 

ذلك الشذى لا يؤثر في أنفه

إنه ينام تحت الشمس ويده على صدره

وادعاً . وفجوتان حمراوان في جنبه الأيمن

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1141  الثلاثاء 18/08/2009)

 

في نصوص اليوم