نصوص أدبية

نداءٌ لإسرافيل/ في تأبين شهداء الأربعاء الدامي

**

 

هذا أوانُ أن يتخلّى المرءُ عن نفسِهِ

وأن يخبرَ قلبَهُ عن سرِّ القبر

وكيف أنَّهما معاً

 يرسمانِ بالنبضِ شكلَ الحياة

***

 

لا يكون القبرُ نقيضَ الحياة

 في نظرِ الساحرِ طبعاً

لأنَّ الساحرَ في الحقيقةِ قبرٌ

ولم يكن هادئاً كالقبورِ الأخرى

ولا صامتاً مثلَها

ولا قابعاً في جوفِ السكون

لأنَّ هذا القبرَ الذي هو الساحرُ حقيقةً

قبل أن يعبَّ الموتَ

نظرَ تلقاءَ العالمِ فرآه سكِّيراً

ثمَّ نظرَ أخرى

فإذا بكلِّ العالمِ يتحوَّلُ خمراً

ويدخلُ في مريءِ الساحر

وكأني بالموتِ

 كان في منطقةِ المريءِ بالضَّبط

فتكاسلَ عن قبضِ روحِ الساحرِ قليلاً

وقالَ في سرِّهِ:

 إنَّ هذهِ الخمرةَ لا تشبهُ الخمورَ الأخرى

فلا هيَ ضدّ الموتِ، ولا هيَ ضدّ الحياة

فلعلَّها منهما معاً

أو ربما هي صنفٌ آخر

غير الموتِ وغير الحياة

لكنَّ الموتَ والحياةَ ينهيانِ الصِّراع

بمجرَّدِ أن تكونَ تلكَ الخمرُ بينهما صلةَ الترقُّب

وقد يتزوَّجان

أو قد يتحوَّلانِ معاً

إلى جنينٍ واحدٍ في خيالِ الساحر

ولذا لم يتباطأِ الموت

فشربَ من تلك الخمرِ حتى انتشى

وانتشى الساحرُ أيضاً

وتلفَّظَ باسمِ تلكَ الخمر في أُذُنِ الموت

فإذا بهِ يمسكُ برأسِ الساحر

ويغلِّفُهُ بالقبرِ سريعاً

ثمَّ يطوِّحُ بالقبرِ في الفضاء

فينقلبُ القبرُ في الحالِ نسراً

وينقضُّ على أقربِ فريسةٍ

في مجالِ طيرانه البعيدِ جدّاً

فإذا بالفريسةِ ليست إلا ما تخلَّفَ من جثَّةِ العالم

بعد أن انصهرَ في مريءِ الساحرِ خمراً

ومعَ التهامِ أوَّلِ لقمةٍ من اللحمِ النيِّءِ

عاد النسرُ إلى طبيعتِهِ الأولى

رجلاً يتخطى على الأرض

وكلُّ ملامحِ وجهِهِ تدُلُّ على أنَّهُ

 ذو علاقةٍ سريَّةٍ من طرازٍ خاصٍّ بالقبر

ومع الأيّامِ تجاهلَ الناسُ هذا

وصاروا يدعونهُ ساحراً

ليقولوا إنَّهُ غيرُنا

يوحِّدُ المشهدَ بين الموتِ والحياة

بقوَّةٍ لا نعلمُها إطلاقاً

أما نحنُ فليسَ في حوزتِنا ما في حوزةِ الساحر

ولهذا سيظلُّ الموتُ ضدَّ الحياة

والخصومةُ بيننا وبينَ القبرِ

لن تنتهي بالصلحِ أثناءَ الوفاة

 

باسم الماضي الحسناويّ

[email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1149 الاربعاء 26/08/2009)

 

 

في نصوص اليوم