نصوص أدبية

نيران القتلة

لا تستدير نحوي، نحن لسنا بحاجة إلى مهزلة "وجهاً لوجه" أو مرارتها الثقيلةِ، ليسمعني الله معك وكائن منْ كان معه، سأطرح الأسئلة الأكثر رعونة وفزعاً :

-كيف نتخلص (وليس الخلاص) من أنفسنا بوسيلة غير الإنتحار؟ ما دام طغاة العالم، ظل الله على أرضه، يقطعون قضبان الأطفال، يشوهون وجوههم النظرة، يُخَلفونْ في أعناقهم، في رؤوسهم، في خواصرهم رصاصات الغدر والمذلةِ؟

 

-أنواجه القتلة بصدور الشبان العارية، بنظراتهم الملهوفةِ نحو سناء وسماء الحرية الشاهقة؟

-أنجعل من قلوبنا مسكناً هادئاً، مقبرةً لأجسادهم الغضة، لساحاتهم، لهتافاتهم المموسقةِ، أم نطلب من العلي الحكيم أرقادهم في فسيح جناته الواسعةِ؟

-أنترك الشبيحة، البلطجية، القناصة، عبيد الحكام، من المحيط إلى الخليج، يفعسون الوردة التي بالكاد تَفَتحتْ، لكي نحارب نحن بجمال ومجد الكلمات الفارغة؟ على هذه الأخيرة أضعُ ثقلي، دون أن أرى شعاع عشقها، دون سماع صرختها المدوية.

-أيضيعُ من بين أصابعنا، كالماء المُنسلِ من ثقوب الغربال، ربيع أمنا أو أمتنا العربية؟

-أنبقى في غرفنا التي يُقال عنها آمنة نحملق كالبلهاء، أتحدثُ عني، في شاشات العالم والدم يشخب من صورها الحقيقية والمزيفة؟

-أية خطيئة أرتكبها أبناء سام، نوح، قطحان، رضع درعا، مصراطة، بغداد، وفي اليمن السعيد الذي أنبَتَ فيه الخالق، دون استشارة أحداً، جنته الخالدة؟

 

2-

-أيمكنني تقديم طلباً لجالية العرب في باريس، لكي تمنحني خيمةً أقيم فيها حداداً على أرواح الزهور مبقورة البطون برماح التترِ، من يوم الدنيا هذه حتى يوم الآخرة؟

-منْ يبكي معي في زنزانتي سواك وصدى الجدران المُرعبةِ؟

-رفقة القلم وفوهة البندقية، خرافة تعلق فيها شبابي بغفلة، تضحك اليوم ملأ شدقها من خبالي وأنت معي ترى كيف يستدير عهر الرصاص يحشو الأرض، يملأها ويحتمي، فوق ذلك، بالأقلام والإصوات المُخربةِ، قل لي من صنعَ خراطيم الماء الساخنة، القنابل المسيلةِ للدموع، الراجمات والرصاص المذوب غير أبن الغرب وأمه الفاجرةِ؟

-أيرتضي من فطر السماوات والأرض بنواح الثكلى من أمهات ميسلون ويظل مشغولاً بتنظيم جمال الظواهر، الطبيعة، ونحن نٌكَررْ خرز السبحةِ، نقرأ الآية بعد الآية، نتوضى، نركعُ، ندمدمُ مع أنفسنا وكأن الملائكة لا تَسمعْ إلا عن قرب : الله يُمهل ولا يُهمل. أنا أريده اليوم لا يُهملْ ولا يُمهلْ أسد الغابة ولا كل من نام تحت عباءته الدافئة، أتتضرع أنت المؤمن من أجلي ثانية حتى يقلبها الله على رؤوسهم كما ينقلب على الفقراء رماد المنقلةِ*.

-أتوقظ النيازك من سباتها، الرعود والبرق، الأفلاك السابحة كلٌ في مداره لكي ترى بأم عيونها لهيب ودخان المحرقةِ؟

 

......................

*المنقلة هي، في اللهجة العراقية، نوع من موقد فقير ومظلوم كالعراقيين أنفسهم يضعون فيها شيء من الفحم الذي يتصاعد دخانه قبل أن تتوهج جمارته الخامدة تقريباً.

 

 

في نصوص اليوم