نصوص أدبية

رنين

التي لا تطلب براءتها من أحد، من العلبة المحبوس في

قمقمها جني اللعبة، الشعر المُعاق بحكم سواد

المرحلة، آمل أن يبلغ صوتي أذانكم الصاغية. سأروي

كيف تقاتلت مع بعضها السفن في بحار القراصنة، كيف حل

الليل والمياه الآسنة وصارا ضيوف قريتنا؛ فيما كانت الشمس

تحرق غاضبة الأخضر واليابس، هجمتُ بثقلي الذي لا يوزن

تنفست كل هواء الطبيعة، في عزلة غرفتي، والشوق يحثني بقوة

على نقل أوكسجين التنفس لرئات العالم اللاهي بحروبه السبعة،

كأيام السبت والجمعة، والآحاد الثقيلة مثل الرصاص على الأرض التي

لا تطلب سوى الحصول ثانية على عفتها المسحوقةِ تحت أقدام العساكرِ.

 

 كان لي أخ أكبر مني في السن، من جماعة الرواد الذين خططوا بعجالة،

خارطة المدينة بشوارعها الأنيقة، أشجارها الباسقة، أزقتها ذات الخصور

المتلوية، نساؤها العذارى والحوامل، تماثيلها ونصبها، كنصب الحرية

في ساحة الأمة، جواد سليم وربعه الخالدين؛ وصلتني أخبار أخي بعد

ثلاثة عقود من المنفى، منحوراً من العنق إلى العنق. لم أسأل وأبت شفاهي

النطق باسم القاتل.

 

في الحلم كاللوحة المكتظة بالعصافير والأعشاب الوحشية، رأيته لابساً

ذات الحلة الزرقاء وأزمير النحات ما زال في يده؛ تبادلنا النظرات بسرعة

البرق، جَفلتُ حين رأيتُ في عينه خطاً أحمراً كالشعاع الذي يوقف نبض

الكون، مالك يا أخي، كانت أول نطقه المقدس، سمعته بأذني الصماء و

المرهفة، حشدتُ ما بقي لي من شجاعة حتى يسرُ لي برغبته؛ قال بقلبه

الخافق كالطير المذبوح : لتواصل أنتَ ومن بقى  معك حياً من شباب الحارة

نفس اللعبة، جلب الهواء إلى العالم، قبل أن تُطفأ ثمالة الشمعة، يسيل شمعها

ويحرق الأصابع البيضاء، ثم اختفى كما يتبدد الماء من الراحة. فسرتُ حلمي

وحدي، من مزقه التي لا تُلصق حصلت في النهاية على صورة لا يداخلها لا

الشك ولا الظنون العابثة : الوطن الذي ولدت فيه ما زال تحت سكين

المقصلة.

 

تلك هي روايتي الناصعة، جزء منها يصادفكم عند منعطفات المدينة

بغداد التي كنتم تحملونها في قلوبكم باسم الجواهري والسياب، ها أني

أعيدها لكم كصوت أو صدى يرن بحيرتي، كيف سأقطع هذه المسافات

الدامية ؟ لا أدري، لكن في سريرتي، الحزينة والغاضبة، أعلن : إذا ما بلغ

صوتي المبحوح

أذانكم الصاغية، تكون رئتي المثقوبة من الدخان

 قد تنشقت نسمة الجبل

الشاهق، أقدامي داست على طين الواقع،

وعيني

أترعتها قصاصات الحلم

الطاهر.

 

حسين عجة، باريس في 1/9/2009

إيميل : [email protected]

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1156 الاربعاء 02/09/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم