نصوص أدبية

قصص قصيرة: مفارقة

تشبثت يده اليمنى بصدره، بينما امتدت يده اليسرى الى جانبه . تعلقت عيناه بنقطة في الاعلى ولم تتهدل شفتاه بل كانتا مثل وردة يانعة . بدأ كل شيئ فيه وكأن الحياة لم تفارقه، فهيبة الرجل ما زالت قوية . عند اقترب الطبيب من صدره سمع كلاما" غرييا" فقال : اخرجوا جميعا" . خرج الجميع وهم يتهامسون . دنا الطبيب مرة اخرى من صدر الرجل واصاخ السمع بأذنيه . ثمة طنين بعيد لكنه يقترب وكأنه يقطع مسافة طويلة . كان الطنين اشبه بقرع طبول خافت وحزين . نظر الطبيب الى شفتي الرجل المسجى ورأها هي الاخرى تتناغم مع الصوت البعيد القادم من صدر الرجل . ارتخت عينا الطبيب وكأن الذي بين يده لم يمت بعد . وضع سماعته فسمع هذه المرة انينا" ونغما" شجيا" . حاول الطبيب ان يستجمع شجاعته ويغلب ظنه بما اوتي من علم ويقطع دابر ما يراه بما تعلمه من معرفة باليقين المتحقق من الرجل الذي بين يديه قد فارق الحياة بما لايقبل الشك، الا ان هذه المعزوفة ضيعت عليه علمه ويقينه .

قال هامسا" للرجل المسجى: ما زلت حيا" ؟ هل تسمعني ؟

تحركت شفتا الرجل من دون كلام، وارتفعت يده اليمنى مشيرة الى رأسه .

قال الطبيب : ماذا هناك ايها الرجل، هل ضربك احد على رأسك ؟ هل تشعر بشيئ ما فيه؟

قرع احدهم الباب . ذهب الطبيب ليفتح لكنه تراجع، وحين التفت الى الرجل المسجى وجده جالسا" بيد انه لم يتفوه بكلمة . اشار الرجل على الطبيب ان ينام مكانه ويخلع بدلته الرسمية . استسلم الطبيب الى امر الرجل ونام في مكانه . ارتدى الرجل بدلة الطبيب ووضع السماعة في اذنيه وانحنى على قلب الطبيب فوجده دون أية نبضة . سحب الرجل الغطاء ووضعه على وجه الطبيب وخرج الى الناس قائلا" : خذوه لقد مات المسكين بالسكتة القلبية !!   

 

(2) مفارقة

تحرك رتاج الباب ... لاريح تهزه على الاطلاق . ثمة اقدام مغطاة بجلد اسود لما احتسبت الرجل يحتدي حذاءا" ..... كوفية ممزقة تغطي رأسا" نحيسا"، واناء لايصلح لشيئ التصق بكفه . كان الخوف يعصرني كما تعصر الاعناب صيفا"، اقدامي اضطربت ... لم  اع شيئا" البتة . قال بصوت لم اسمع مثله من قبل قط : من مال الله ولايضيع عند الله، فتنفست الصعداء .              

 

(3) حرية من نوع خاص

الناس مثل الذئاب يأكل بعضهم البعض بمجرد ان يسيل دمع احدهم . كنت اغرد خارج السرب ولم  اخف من شيئ سوى من هذا المخلوق الطيني الذي يعصف بكل ما يقف امامه من اجل حفنة من المصلحة الشخصية . ومما يؤسفني انني احد هياكله اللحمية . حاولت الدخول الى السجن على الرغم من سماعي الكثير مما لايشجع عاقلا" على مثل هذا العمل، بيد انني حين اقترفت جريمة على طريقتي الخاصة ودخلت السجن وجدته ملاذي الذي قضيت فيه اجمل ايام عمري . لاتتعجبوا مما اقول فانا ما زلت بكامل قواي العقلية وانا اسرد عليكم هذه الاقصوصة .

اجلس يوميا" مع نفسي امارس معها الاكل والشرب والضحك والنفاق من دون اخسر احد . او ان اغيظ صديقا" . انا على يقين من انكم لاتستطيعون ان تفعلوا ما انا فاعل. كانت الدنيا داخل السجن ارحم مما هي في الخارج . حاولت ان اقنع نفسي ان الحرية دائما" ما تكون في الفضاءات الواسعة والمضيئة، لكن صوتا" بداخلي يلح عليه حتى دفعني في ليلة من ليالي الشتاء ان اقترف جريمة اخرى داخل السجن لتعيدني الى حريتي الشاذة، هل تصدقون ؟!  

       

 

 

 

 

في نصوص اليوم