نصوص أدبية

تأشيرة العودةِ

 ولا هاجس

انحدار قدمي في كهوفها الغائرة،

كان أخوتي بملابسهم المزركشةِ، وأياديهم المنقوشةِ

بالغضب قد أغلقوا

كوة الكون أمام بصيرتي.

الرواق أو الباب

الذي علمتني أمي بالإشارات الغريبة والهمس

وضع أناملي من فوق عروته،

حطمته زوابعهم وميزانها المائلِ.

ثم جاءت امرأة

تحت ستار الحب المُخادعِ؛ تقرأ بختي

وفال ذريتي

 روت ما روت عن طالعي،

وقلبي

ما بين خرزها وأحجارها  القادمة

من سالف الأزمان والرمل

 لم يتوقف عن الخفقان والتوجسِ، حدثتني عن

الأزقة المظلمة، مكان ولادتي،

عما سيحدث في القرن القادم، عن تشقق

 أصابعي

من البرد، عن الصور التي تلهو

وتمزقُ أوتار

ذاكرتي.

عَبرتْ لحظةٌ طويلة اللهاثِ تَقطعُ

 شهوة التنفسِ،

كانوا فيها أخوتي

ينزلقون

الواحد تلو الآخر بقشرة الموز

 البائر،

 ما أسمته قارئة الفال

دهر الحصار ومنع أكياس الرز

من الدخول إلى

بلاد العنبر، أقلام الرصاص اليابسةِ

والصبية ينتظرون

مجيئها، فيما الدفاتر تظهر للخالق

قلبها الأبيض الفارغ، قبل موتها

بأشهر، من السكري والضغط، قالت

ستترك من أجلي، منفاك في عاصمة

 النور وتأتي حتى أشوفك في

عمان الزاهية، رَكَبتُ الحصان الطائر

 وعينه تَدمعُ، في حقائبي هدايا

للنساء والرضع، من أبناء جلدتي،

بعد يوم من شروق

الشمس وغروبها

في قاعة الوافدين من الغربِ،

منحوني تأشيرة المرورِ لخاطر جوازي

ذو الغلاف الأحمر، كباقي جوازات أبناء

وطني الثاني،

لهم

أعطوا ثلاثة أشهر من الإقامة القابلة

 للتجدد،

ولي مجرد أسبوعين

لا لمانع سوى

 اسمي العربي.

قَبلتُ والذل

يزأر كالريح تحت

 أسناني ويحني

هامتي؛ حين التقينا بعد النواح والشم،

باحت لي بطول وعرض

الفاجعة، من بين كلماتها المتطايرة

قبضت على تراتيل نطحن

نواة التمر لتكون قمحاً نخبزه

بأفران الحكومة، وبطاقة التموين

لا تغني عن جوع ولا تسد الرمق،

 الماء يبول من حنفية

 الحديقة الذابلة

قطرة بعد أخرى، من الساعة الثانية عشرة ليلاً

حتى الثانية قبل طلوع

الفجر، وأنا أملأ كل أوعية الدار، الواحد تلو الآخر

حتى أباريق الصلاة والوضوء العابرِ

عندما نَوتْ الرجوعِ إلى مسقط رأسها، بغداد، اشتريت

لها ثلاثة كيلوات من الرز وصفيحة يعلوها الصدأ

من زيت الحشائش،

لا زيت البقر الحر الذي كانت توزعه

على أبناء الحارة، في نقطة

التفتيش، اطربيل، أعادوها وأكياس الرز

قد تبعثرت في صرة

ملابسها

صحيفة الزيت مُفرغة وأركانها الأربعة

مطروقة بيدي

 حداد ماهر،

 مضى

ليل أمي وأبنها راكب الحصان الطائر

في التطلع

بجدران الفندق

في الصباح، كلاهما طلب تأشيرةِ العودة :

هي إلى عاصمتها المذبوحةِ،

وهو إلى منفاه المغلقِ.

ماتت في عزلة، لا يعرف عنها سوى

مختار المحلة،

وشهود الحفرة

 وهو

ما زل يبحث في المزابل عن لقمةٍ

ويعدُ نفسه

لمنْ سيقرأ على نعشه

سورة الفاتحة

لكي يحضن باطن

الأرض

أو تتوسد هي ذراعيه

وتترك للأخوة حقلاً لا يني

يوماً بعد آخر عن خذل بستانه

وما قيل عن كنزه المدفون في باطن

         الكتب.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1165 الجمعة 11/09/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم