نصوص أدبية

حديث الكمَّامة، وقصص أخرى..

روي أن ملكا ملَّ من كتابة سيئات عبد استمرأ سرقة الطماطم من مزرعة جاره، فقرر أن ينزل السوق بنفسه، فلعله يجد هناك من يتصدق على مسكين، أو يميط الأذى عن الطريق..

تزيّا بهيئة بائس متعفف، لبس جبته وتوكل على الله..

 بيد أنه لفت انتباهه رجل يشق طريقه مسرعا إلى بيته المعدم قبل الظهر على عكس عادة أهل القرية الفلاحين..

وحين وصل الفقير إلى بيته، نزع جلبابه، وأسرع إلى المطبخ ليسكب من حليب نعجته ويسقي كلبا مريضا متسكعا كان قد اعتاد على إطعامه

وحيث أخذته غفلة السوق ومتاهاته تأخر عنه، داعبه وأخذ يسأله بعض الأسئلة.. لذا، لم يسخن الحليب ولكنه جف..

 مات الكلب، وسقط الفلاح مغشيا عليه حيث يخنقه دخان القدر..

وجد الملك فرصته، أسعفه وظل بجانبه طوال الليل يكتب عدد أنفاسه حسنات لايضيعها الرب!!

 

قطة عوراء!

اصطدمت بأكثر من سارية في المسجد، بدت وكأنها في سكرتها الأخيرة، تبحث عن الموت الذي سينتشلها من الملل القاتل، ولما اقتربت من حقيبتي الجلدية، الناعمة،، ابتسمتُ لها.. بعد أن ركلتها أكثر من قدم، نظرت إلي طويلا، فوجدتُني ألمع في عينها الوحيدة، استطاب لها الأمر.. فأخذت تتمدد أكثر، تفرك أذنها، وتلحس شعرها الجميل، بعد أن طردت فكرة الانتحار من رأسها المحشو بالإهانات والشتائم!

 

نعيمة!

تلك المغربية، لم تلق فكرتها ترحيبا من أحد، اقتربت مني أكثر، وطلبت بلطف عجيب أن ألتقط لها صورا أمام الكعبة، فهذا كل مافي الأمر!

 

التقطت لها ثلاث صور، فإذ بي أفاجأ بيدها التي سحبتني أكثر، وعصرتني بين أحضانها، ثم مالبثت أن ارتفعت بي نحو السماء، مجتهدة بدعاء صب من عيني دموعا سخية، ذلك حين ألحت على الله بأن تُقبض روحها في مكة أو في المدينة !

هذا كل مافي الأمر!!

 

معابر!

عليكِ أن تسلكي ذاك المعبر فهو مخصص للنساء..

 هذا ما طلبه شرطي المرور بعد أن نزلنا من الحافلة، وقد فصلنا عن العالم الخارجي جدار من كونكريت مصبوغ بلون أحمر، شوهته هواتف المتسكعين، وذكريات مذيلة بالتواريخ، والأسماء المستعارة..

 

دفعتني بقوة وهي تريد الإسراع إلى ساحة الحرم المكي قبيل أن يرتفع الأذان، فتحت ذراعي لها، توقفت وأنا أرقب المنارات الشاهقة، ابتسمت في وجه دمعة عبرت بي نحو الأقصى الذي لم تفلح الحواجز في عزله عني!

 

عِزَّة رغيف!

سمراوتان، تمشيان الهوينا، لففنا عبائتهن بكل حياء، جلستا بالقرب مني، موعد الإفطار يقترب، لم تخرجان شيئا سوى بضعة تمرات طرية، وكأسين من ماء زمزم، ارتفعت أصوات متسولات ممن تجمهرن حول سبيل يوزع الرغيف الساخن، لم تتحركان، تحركت عيناي نحوهما بتعجب، مددت يدي ضاغطة على يد إحدهما، ساخنة، عفيفة، ونظيفة! مالبثت أن حدثتني عن نفسها: عيني بلقيس، أجينا هنا نخدم مع حملة معتمرين من سوريا، لكن احنا العراقيات أبيات، لو تكوم المذابح على الأكل ما نكوم، كل يوم نجي لهنانا واحنا ما عدنا شي، وربي يرزكنا لمكانا!

 

بلقيس الملحم/ شاعرة، وكاتبة من السعودية

[email protected]

  

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1168 الاثنين 14/09/2009)

 

 

في نصوص اليوم