نصوص أدبية

غُمْراسِنُ / سُوف عبيد

... كهف في أعلى تَل

كيْ يصل إلى رأس التل

لابدّ من...ومن...

من شوك

وصخر مَسْنون

والويل من أفعى أو من عقرب

ربما

 

سيّارةُ الطين...تلك

في باحة الحُوش...ذلك

عَجَنَ حديدَها المصقول

بلّورَها اللمّاع

أضواءَها الكاشفةَ

الحمراء

والبُرتقالية

بدَلويْن من ماء ـ بئر الكرمة ـ

 

لمّا اِستوت بين يديه ملساء

هيفاء

تركها تجف

الشمس فوق رأسه كرةُ جمر

 

سيّارةُ الطين...تلك

جفّت عجلاتُها ويَـبِـست...

الآن يتسنّى له تركيبُها بيُسر على مِغزلين

ثَقّفَهُما من غُصن زيتونة الجسر

برفق ثَقبها

واحدةً تلو واحدة

مَرحَى....مرحى

اِستوتْ ودارت في كفّه

مَثنى...ثلاثا...رُباعا

 

بلمسة واحدة

أدار المُحرّك

فاِنسابَ اِنسيابا كأزيز الرّيح

كحفيف أجنحة الخطاطيف

كخرير الوادي عند السّواقي

كرَجْع الشادي في محافل الأعراس

كصَدى الزغاريد

 

برفق

فتح بابَها ـ أو كذلك كان يتسلّى ـ

ثم اِستوى خلف عجلة القيادة

يدُه اليُمنى أمسكت بها بلطف

يدُه اليُسرى أدلاها من النافذة

تماما...مثلما يقُود المُحنّكون

من السائقين

 

لم يودّعْ

لم يودّعْ

 

الشّوقُ إلى المسافات البعيدة دعاهُ

وحافية قدماهُ

ضغط على دوّاسة البنزين

لم تَترُكْ سيارةُ الطين وراءها إلا الغبار

كم من جبال قطعتْ

كم من وهاد / مروج / غابات / سَباسبَ / أنهار

 

سنوات في سنوات

كم من ريح / ثلوج / أمطار

مَرقَتْ

وأقطار

 

سنوات في سنوات

سيّارةُ الطين...

ما تعبتْ

ما كلّتْ

ما تَوقّفتْ

 

سنوات في سنوات

ضاقت به الأماكنُ

سنوات في سنوات

قارات ومدائنُ

وما أوصلته الطرقات

إلاّ

إليها ؟

 

غُمراسنُ

بوصلة القلب

تشير إليها جنوبا

ولو أن الشمال مفاتنُ

 

غمراسنُ

البدءُ والمُنتهى

مهما توالتْ مَواطنُ

 

ـ غُمراسنُ ـ

في قاموس لغةِ البربر

سيّدُ القوم

إباءٌ...كرمٌ...ومَحاسنُ

 

غُمراسنُ

قديــما...قديــــــــــما ... قديـــــــــــــــــــــما

كانت الأمطار مدرارة

حتى في الهواجر

الديناصورات في غاباتها

كانت تَجُول

كم اِصطاد من أحفــاد أحفـــــــــــاد

أحفــــــــــــــــــــــادها ضَبّا

في المغاور

 

غُمراسنُ

قديما...قديما

الأسلافُ الأوائل

رَسمُوا في كهوف الشّعاب

الأفيالَ والزرافات

والأيائلْ

 

غُمراسنُ

قديما

في ثنايا واديها النخلُ والتينُ والزيتون

يا شذى الشّيح والعَرعار

من كل فجّ عميق

جاءها نجع

وجحافل رُكبانُ

 

غمراسنُ

البيوتُ منحوتة والمَعاصر

في الصّخورْ

ويُتوّجون رُؤوس الجبال

بالقصورْ

 

غُمراسنُ

في السّوق القديم

ركن سيّارته

سار من مدرسته

إلى ـ بئر الكرمة ـ

سار

كما كان يسير والأعوام

عبر الوادي

على الأقدام

 

*ديسمبر 2011 / جانفي 2012 *

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :1998 الأربعاء 11 / 01 / 2012)

 

في نصوص اليوم