نصوص أدبية

سلال الخضرةِ

 الفرحِ، تجول هي في فضاء المنزل،

تفوح من يدها الروائح، وفي ذروة فمها

ترتجف ابتسامة ناحلة، بأذيالها يتعلق

نبض

الدار والمحلةِ.

على سفرة الأرض تُوَزعُ المقسومِ

في أيام البرد القارصِ؛ حين يعود ملاك اللحظةِ،

والدنا ومن ورائه سلال الفواكهِ والخضرةِ، بغتة

تتجمع طيور لها أسماء مُحَيرةٌ : أخضيري، بط

الأهوار، أنعيج الماء، الحبري، والقطى اللاعب

في البراري البعيدة.

للتو كانت قد أنهت ركعتي المساءِ، بغبطة تَمْنحُ

طينَ البيتِ نبضاًً كونياً لمواصلة العيشِ؛ على يمينهِ

يَجْلسُ الابن الأصغرِ، من حولهِ الشقيقات اللواتي

لم يغفلن مرة واحدة عن جلب ضحكة الماء

المتمايلِ،

دَفئهُ،

أبريقَ الفضةِ

وصحنه النحاسي يَسَيلُ فيه

عطر الأيادي

المغتسلةِ، منشفة للم البركة.

حضور السراج الذهبي

تتراقص ومضات ضوئه الخضراء، الحمراء، الزرقاء

والأبيض الناعس؛ ينطق الملاك، قبل أن تُمدَ الأيادي

وتلمسُ ما يَفوحَ من العنبرِ، بواجبِ ذكر الأموات،

قراءة سورة الفاتحة التي ما زال إيقاعها المُحَببِ يداعبُ

ذاكرتي؛ نسمع وشهية الأكل بجلالها المعروف تحطينا

كنسمة، طرق على الباب، وها أن باحة البيت الشرقي

تُملأ بالضيوف يأتون من المدنِ النائيةِ، من القرى

 المغمورةِ

بالمحبةِ

أكياس هداياهم تحتل مكان العالم، يتعالى صخب الأطفال،

عيدٌ يَهمَسُ، يَبُوحُ للمنتظرين عطايا السماءِ ونجومها اللامعةِ،

يَشرعُ؛ آه يا نبض قلبي، دبيب الأصابعِ الناعمةِ لكي يتغني

بجمال الرغيف الطالع بالكاد من لهيب التنور وجمراته

الغافيةِ،

ثراء يتحول الفقر،

 يتحول

لهيب القيظ الحارق

 

 واحة

أو رحاب دنيا لا

نرى حداً يعيق

فيضها الوافر.

 

(2)

لكل يوم رزقه،

 لازمة تغردُ من شفتها الذابلةِ

حين يجهر واحد منا، يثور،

 يغضب

 وكأنه ينوي

دك حصون الفقر، يخرج

شاهراً

 سيفه على الناس

لكل يوم رزقه، أرى قامتها

 الفارعةِ،

 ووجهها

يمازج

غرين الأرض وملح البحار،

 حورية هبطت

في آخر لحظة من فلك يدور

 بلا كلل،

يُلبسُ كل ما يدب

ويزحف في دغل المشرق

 والمغرب

 حلته المقدسةِ،

أراها واقفةً منهكةً، تنازع

 شمس

 الظهيرة،

 والندبة السوداء

التي لاحت في عمق فمها،

 أفقدتها

 قدرة النطق

الدار ظلت على

عهدها

 تمور،

تزدحم

بضحكات الملاك

المدوية، حاملاً

 كل يوم

سلال

الفواكه

 والخضرة.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1186 الجمعة 02/10/2009)

 

 

 

في نصوص اليوم