نصوص أدبية
مقاطع من المسرحية الشهيرة (فاوست) / جميل حسين الساعدي
ها أنت تقتربين َ منّي يا هياكـلُ فـــــي اختيــــــال ْ
تتأرجحين أمامَ عيني مـن جديــــــد ٍ كالظــــــلالْ
هلْ لي بأنْ أصطادكــــــنَّ فيستجدّ لـي الوصـــالْ
هل ما أزالُ أحسُّ قلبي مولعا يهوى الخيـــــــــالْ
ها أنت ذي تتدافعين َ بلا فتـــــــور ٍ أو مــــــلالْ
ليكنْ إذا ً؟ ولتحكمي ما شئتِ قد نفــذ َ المقـــــــالْ
وكما ارتفعت ِ من الغبار ِ أقرُّ حكمكِ فــي امتثالْ
***
ويحسُّ صـــــدري بالشبـــا
بِ إذا دنا لكِ موكبُ
أنفاســه ُ سحريّـــــــــــــــة ٌ
من حولــه ِ تتصبّـبُ
فيـــــــه من الماضي رؤى
في مهجتي تتســـرّبُ
وصدى لأحباب ٍ بأعــــــ
ــماق ِ الثرى قد غُيّبوا
وأحسُّ بالود ِّ الجميــــــ
ـــل وبالهـوى يتوثّب ُ
أسطورة ً رغم التقــــــا
دم ِ والبلى لا تغـــرب ُ
فيعود ُ لي الألــم ُ المــ
ــمضُّ كجمرة ٍ تتلهّـبُ
وتهيج ُ بي شكوى حيا
ة ٍ ضلَّ فيهــا المركــــبُ
متذكرا ً خبرَ الألــــى
خطـــف َ الفراقُ فخُيّبــوا
في مستهلِّ سعــــــادةٍ
لمْ يصف ُمنهــــا المشربُ
تلك َ النفوسُ المصغيـــــا
ت ُبلهفــــــة ٍ لجميل ِ لحْني
لـــــَنْ تستطيع َ الآن أنْ
ا تُصغـــــــي للحن ٍ إذ أغني
الأصدقــــــــاءُ تشتتوا
وخبــــا صدى وتر ٍ مُــــرنِّ
شكوايَ أطلقها لجمــ
ـــهور ٍ غريب ٍ ليسَ منّـــــي
إطــراؤهُ لا يستثيــــ
رُ سوى معاناتي وحزنـــــــــي
أمّــــا الذي ما زال َيُسـ
ــكرُ من نشيـــدي غاب َ عنّي
أمســى شريدا ً في المسا
لك ِ دونمـــــا مأوى ووكْــــن ِ
****
ويفيضُ ثديٌ مــن حنيـ
ــــن ٍ في شفاهي من جَــديد ْ
من بعدما كُتب َ الفطـا
مُ علــيَّ من زمـــن ٍ بعيــــد ْ
وتطلُّ أرواح ٌ ــ رحلْـ
ــن َ ـــ تَحوطُني مثل الوليد ْ
بحنانِــها فيشـــــــدني
شوق ٌ للقياهــــــــا شديــــد ْ
وأودّ ُ لــــو أنّــي قدرْ
ت ُ سويعـــة ً أنْ أستعيـــــــد ْ
بسكونها الجــــديّ وجـ
ـــه َ العالم ِ الصافي السعيد ْ
ويصير ُ أغنيــة ً تدوّي
في الفضا همس ُ النشيـــــد ْ
والدمع ُ تلْو َ الدمْع ِيجري
مثلما ذاب َ الجليــــــــــــــد ْ
وترق ّ ُ في قلبي المشا
عرُ وهو أقسى من حــــديد ْ
مـــا في يدي َّ أحسُّــــه ُ
قد غاب َ في أفـــق ٍ بعيــــــد ْ
أمّـا الذي في الغيب ِ فهْــ
ــو َ وقائع ٌ وأنا الشهيــد ْ(1)
(1) الشهيـــــــد: بمعنــــــى الشاهــــــــد هنـــــــــا
****
افتتاح علـــــى المســــــــــرح
المــــدير ـــ شاعر المسرح ـــ شخـــص مرح
المــدير :
أنتمــــا يا خلاصـــــة َ الخــــلاّن ِ
يا معينيَّ فــي صروف ِالزمان ِ
خبّــــراني ماذا عسى تنويــــا ن ِ
يا صديقــــي َّ في حمى الألمان
كم ْ تمنّيت ُ أن أمتّع َ ذا الجمــ
ـــهور َ بالفــن ِّ ساحر ِ الألوان ِ
إنّــه ُ ينشــــــد ُ الحياة َ ويعطي
لســـواه ُ حــق َّ البقـاءِ المصان ِ
قد أقامــوا في كل ِّ ركن ٍ عمودا ً
وأعــدّوا الألواح َ في إتقـــــان ِ
كلُّ فرد ٍ مــن الحضــور ِ كما في الـ
ـعيـــد ِ يصبو للحظة ِ الإفتتان ِ
ها هــم ُ في مســـرة ٍ وهنـــــــاء ٍ
يرفعون َ الأبصـار َفي هيمان ِ
وأنا الجاذب ُ النفوس َ بفنّــــــــي
أقف ُ الآن َ حائر َ الوجــــدان ِ
إن َّ هـذا الجمهــــورَلم يشهد ِالأفـ
ـضل َ في الفن ِّ من بعيدٍ ودان ِ
بيْـد َ أني أراه ُ ذا شَغَـــف ٍ قــد ْ
جد َّ فــــي الاطّــلاع ِ والعرفان ِ
خبّـــــــراني ماذا سنعمـل ُ كيما
كل ُّ شئ ٍ يغدو جديد َ الكيــــان ِ
طازجــــأ ً يبعث ُ الســـرور َ مشعّا ً
بتعابيــــــــره ِ جلــــي َّ المعانــــــي
****
ويطيب ُ لي أن أبصـــرَ الجمهورَ منـ
ــدفعا ً كمثل ِ السيل ِ نحوَ المســرحِ ِ
وبمثل ِ آلام ِ المخاض ِ يشــــق ُّ درْ
با ً نحو َ باب ِ الرحمة ِ المستوضح ِ
****
عند َ انتصاف ِ الشمس ِ أوْ من قبلِ أنْ
يجتاز َ مجرى الوقت ِحدَّ الرابعـه ْ
وأمام َ شبَّـاك ِ التذاكـــــر ِ ينبــــري
متصــــارعا ً أمواجــــه ُ متدافعـه ْ
****
وكما تزاحم ُ(1) عند خبّاز ٍ زمــ
ـان َ القحـط ِ أفواجُ الجياعِ ِ المتعبه ْ
يتهالك ُ الجمهور ُ كيْ يحظى بتذ
كرة ٍ وهـــــذا كلُّ ما في مَـطلبـــه ْ
****
هــــذه ِ معجزة ٌ يا صاحبــــــــي
وهْــــي لا تحصـــلُ إلاّ عنْد شاعـر ْ
فهلــــم َّ الآن َ كــي ْ نصْنَعهــــا
مــن ْ سوى شخْصُك َ في الناس ِيبادرْ
الشــاعر:
لا تحدّثنــي عن الجمهــور ِ ذا
إنَّ روحــــــي إنْ رأته ُ تهــــــربِ (2)
إن َّ هــذا الموج َ يقتاد ُ إلــــــى
ســــوْرة ٍ محْمــــومة ٍفَلْيُحْجــــــــبِ
لا.. بل ِ اقتدنــي إلى درْب ِ السما
في مضيــــق ٍ هادئ ٍ لم ْ يصخْـــب ِ
حيث ُ لللشـــاعر ِ يزهــو مورقا ً
فرح ٌ صـــــــاف ٍ نقيُّ المشْــــــرب ِ
(1) في الأصل تتزاحم وقد حذفت التاء للتخفيف
(2) تهرب جواب الشرط مجزوم بالسكون وقد كسر للضرورة الشعرية
حيث ُ يرفو الحب ُّ والود ُّ معــــا ً
بركــــــات ِ القلب ِ فيما يجتبـــــي
****
آه ِ.. مــا يصْــدر ُ عن ْ أعماقنـــأ
والذي يعلو الشفـاه َ الراجفــــــــه ْ
خجـــلا ً من فشـــــل ٍ حينا ً ومــــن ْ
ظفر ٍ حينـــــا ً يّشـُـــد ُّ العاطفه ْ
كـــــل ُّ هــذا فجـــأة ً تأكلــــــــه ُ
لحظة ٌ وحشيّـــــــة ٌ كالعاصفه ْ
****
وإذا ما نفـــــذتْ ملقيــــــــــــــة ً
بصــــداها فـــي مطاويه ِ السنـون ُ
لاح َ في الغالب ِ شكلا ً كامــلا ً
هكـــــذا في موكــب ِ الدهر ِ يكون ُ
مــا تراه ُ لامعـا ً يحيا ســــوى
لحظــــــات ٍ ثــم َّ يطويه ُ السكـون ُ
والذي كان َ صحيحــا ً في حمى
مُقْبـــــــل ِ الأجيال ِ حي ٌّ ومصون ُ
****
الشخص المرح :
يا ليت َ أُذ ْنــي َ لم تسْمَـعْ بما سمعتْ
ولم ْ يَعُــدْ مُقْبــــل ُ الأجيال يَعنيــــها
وَلْيفتَرضْ ؟ انّنـــي حدّثت ُ عن حقب ٍ
لم ْ تأت ِ بَعــدُ وصوّرت ُ الذي فيها
فَمـَنْ لعالمنـــــا هـــــــــذا يناولـــه ُ
كــــأْس َ الدعابة ِ إمتاعا ً وترفيهــا
وَهْوَ الذي يبتغيها وهـْــــو َ مُعْتقدٌ
بأنّــــــــــه ُ دونما شك ٍّ مواتيـــــها
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2010 الأثنين 23 / 01 / 2012)