نصوص أدبية
وجــع الزهـر ووجـعي / فيحاء السامرائي
(.يريدون رشوة، حملُ مبلغ من المال في مثل تلك الظروف ضروري، الأفضل تدبيرالأجهزة الناقصة من خارج المستشفى) نصحه أحدهم...هرع الى الشارع، ولما رجع بعد حين، رفع اليه الطبيب يده بحركة تشير الى أنها انتهت...ماتت.
.......
ليس هذا أوان رحيل يا شقيقة نفسي، مازال هناك كتاب مفتوح ومقلوب على صفحات لم تقرأينها بعد وعليه نظارتك، وأوراق ريحان و(بطنج) منثورة في صينية لم تجف بعد لتطحنيها، وبعض ورود وطيور مرسومة على شرشف تركتيها دون تطريز، في ركن من الغرفة، هناك سجادة صلاة مطوية يفوح منها ضوع رائحة رزينة هادئة، وفي الحديقة، نباتات بيتية ألفت رائحتك وأنت تسقينها وتتحدثين أليها، تطرق رأسها هيفانة، تتساءل، أين ذهبتْ؟...حقاً أين ذهبتِ؟ وفي بالي مازالتْ هناك أسئلة لكِ، ووداع يليق بك بقيَ حامضاً، وغفوة لرأسي لم تغمض جفنها ولم تتمدد على رجليك، أين ذهبتِ وتركتِ لي طمى أشواق وكلمات تندلق على حروف لوعة، وعلى حتوف وحواف روحي، يخنقني وتخنقني؟
................
كان ضرسها يؤلمها، أخذتني معها، الى طبيب الأسنان، كنت نعسة ونمت عند الانتظار، رفعتْ رأسي عن حضنها برفق ونهضتْ من مكانها، اتجهت صوب لوحة مثبتة على الجدار، أخرجت من حقيبتها دفتر وقلم وراحت ترسمها بيد، وكفّها الأخر على فكّها، وحين راحت للبيت عملتْ مثلها، وكتبتْ عنها قصة، أكملتْ بها صفحات فارغة لدفتر توجز فيه روايات تقرأها، وترسم أماكن أحداثها وشخصياتها.
...........
يا أختاً أقرب لي من جناني، كنت تغنين لي في غربتي: " ويل قلبي شهل المصيبة، راح مني لديار الغريبة، شيردّة وشيجيبة، من ديار الغريبة "...هل أقدر أغني لك اليوم دون ذرف دمع؟ " أحباب جانوْ إلي راحو وخلّوني، جانوْ حياتي وهلي، وجانوْ ضوة عيوني، جنت أكَعد بفيّهم، مهيوب وبسد هلة، تاخذني جلمة هلة توديني جلمة هلة، تالي جعلني الوكت حاير يهيم بفلا، مدري يدوّر عرف مدري يدوّر هله، محيّلة يادنيتي محيلّة "...لكن مَن لي بحنجرة مورقة ولغة غضة وبضّة حتى أملأ أناءً خاوياً وخابياً للأغاني، ماذا تقتات روحانا بعد اليوم؟
.............
وأنت بعيدة هناك، ألا ينبت التراب تحتك ورداً وقمحاً؟ وعيناك، هل هما بلا ضوء الآن؟ تخترق بطن آلام ولحم أيام لن تعود الى محجريهما، وترنوان الى زمن صفو وسكون؟...ويداك؟ هل هما بلا مثوى لياسمين ولغاردينيا، تقارعان صقيع صمت؟ وعندنا هنا كانون، شهر زائغ الخطى يقترف البرد، ونجوم نحيلة تنكّس قبعات شعاعها جزعاً على بشر تحتها، وتهمس بجلال لليل عراقي الطعم، يتعكز على قمر ضرير: تلك هي مواسم الغمام والظلام...كم يلزمنا من موت لنعيش!
..................
عراقيون نحن، نبرع في تدبيج المراثي ونبش جسد الأسى ونهش كبود الفواجع، ناياتنا تسودنا، وتضع ساقا على ساق فوق أريكة حياتنا...صرنا نبيع بعضنا بأزهد ثمن، نواري إنسانيتنا بتراب أطماعنا، نثقب شمس محبتنا ونرتق غشاء الليل ليدوم، دموعنا خرافة خزفية وعواطفنا خشبية، موبؤون، سعالي، مجوفوّن من تحنّن ورأفة، نتبجح بسواد السواد بلا سويداء، وبشهداء لايحصون لنا، منهمرين على مدى الفصول، تتغوط على أضرحتهم كلاب ضامرة، ويجترّ دود جاحد بقايا أحشاء للفرح.
.....................
يوم لسعتني حرقة فراقك، أيقنت انك لن تعودي أبدأً...تلاشيتِ الى طيف ماضي وعبرات على مقلتي، ووحشة مدوية في قاع قلبي...سلام على روحك الطهور وعلى ذهب سريرتها...سلام على يوم ذرفتْ فيه ورود حديقتك دمعاً، وانتحبتُ أنا معها... لم تنتظريني، قلبي عاتب عليك...ها هي سنادين روحي يبستْ، وصرتُ رازونة شجوٍ تتسطّر عليها فقداناتي، وموتك نصل دالف في شراييني وفي أوردة الحرير، أسمّر عينيّ على أكرة باب حجرة مسرةّ مأمولة، علّك تأتين ولو للمرّة الأخيرة، حتى أفكّ أزرار فرح يأخذني الى ملمس وصالك وحكاياتك وابتسامك، وأقوم بنزع دبابيس أوصاب، تنخس مغارزها نفسي، وثقل أيام رمادية فادحة، تحدودب وتتكالب على روحي.
فيحاء السامرائي
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2016الثلاثاء 31 / 01 / 2012)