نصوص أدبية

المقاومــة / حميد الحريزي

وخصوصا موضع سرحان ومن يقابله على الجهة الثانيه، مما وضع جميع المواضع في استنفار كامل ...انقطع الرمي وانقطع الاتصال بسرحان لسبب غير معروف ..... فترك أمره حتى الصباح وعند الاستطلاع لم يعثروا على أي اثر لسرحان او لسلاحه مع وجود بقع دموية في الموضع !!!

تم إعطاء موقف للفصيل ومن ثم للسرية فالفوج وقيادة القاطع ان المقاتل سرحان أصبح في عداد المفقودين..... ذاع نبا الفقدان في مركز الناحية وفي قريته وأول من أشاعه المله (فاطمه) زوجة سرحان... التي أظهرت مبالغة كبيرة في الحزن والتأسي وتلقي العزاء لفقدانها زوجها العزيز المقاتل البطل (سرحان) (ولمن تريد الحيل يابوسكينه)... تعاطف الرفاق مع قضية فقدان ابو سعيده ومصاب مله (فاطمه) فاعتبر الفقيد شهيدا وأعطي كافة حقوق الشهيد ل (فاطمه) بعد ان أصبحت قيّمة رسميا على (سعيده) فاقدة العقل والإدراك...ملكت (المله) دارا في مركز الناحية وسيارة صالون حديثه وإكراميات وهدايا أخرى تثمينا للشهيد البطل (سرحان)... .... ولم تمر ليلة جمعه الا وتكون مله (فطومه) في حضرت السيد (نعمه) مع مجموعة من النساء والأطفال المحملين بالنذور والهدايا، إضافة إلى ما كانت تحضره المله معها كثواب لروح المرحوم الشهيد.... تقضي ليلتها هناك ثم تعود عند الضحى وهي شبه نائمة في الزورق...تتأسى لها النساء إنها أتلفت حالها على المرحوم وخصوصا عندما تنفرد بالسيد (نعمه) لأنه كان صديقه الحميم!!!!

عندما يعود الناس من الزيارة يكونون محملين بأخبار مختلفة تكاد لا تصدق يتم تداولها في داخل المدن ومجالس العزاء حيث اختصت المله (فطومه) برواية رؤى السيد وما يرويه زواره القادمين من أماكن بعيده ...ومنها ان مجموعة من الطناطل استوطنت الاهوار وأخذت تقوم ببعض الأعمال ضد الناس وخصوصا من أفراد الشرطة والجيش الشعبي والأمن والرفاق الحزبيين، وانه رأى أكثر من رؤية وكان هناك جرافات أخذت تشق الطرق في الاهوار...وربما يصل الأمر الى تجفيفها ان استفحل أمر هذه الطناطل الذي أخذت تتكاثر يوم بعد يوم وربما هي مسيرة من قبل سحرة معادين للحكومة العراقية......؟؟؟؟!!!!!!!

أخذت بعض الطائرات (السمتية) تحوم في سماء الاهوار بين حين وآخر، ويشاهد أحيانا إطلاقها لصواريخ او رشقات من مدفعها الرشاش في إمكان مختلفة، ذهب بعض مربي الجاموس والصيادين ضحية هذه الضربات... كما انتشرت أخبار،تعرض السيارات العامة والخاصة الى التسليب ومصادرة الأسلحة وحجز بعض من يشتبه بهم من عناصر الاستخبارات او الحزب..... وكانوا يُحمِلون المطلق سراحهم بعض من المنشورات والبيانات السياسية بمختلف العناوين... وأحيانا يعلقون على صدورهم (زورية)* او (زوريتين) محاكاة لأنواط الشجاعة كما كان يعلقها على صدورهم القائد الضرورة.

أخذت تحدث في الاهوار عمليات غاية في الجرأة والدقة والحنكة في التدبير، تمت مباغتة العديد من الفرق الحزبية وقتل او اسر منتسبيها والاستيلاء على أسلحتهم ومعداتهم، هجر الرفاق الكبار بيوتهم فلم يعودا ينامون في بيوتهم بل في أماكن مجهولة، او يتجمعون في أماكن محصنة ومحروسة من قبل الجيش خشية هجوم هذه القوى المسحورة التي أصبحت لها الهيمنة على الاهوار وبعض القرى في الليل خصوصا، أخذت تظهر بيانات في المدن والقصبات تحمل صور (جيفا را) او (خالد احمد زكي) او صور الشهيد (محمد باقر الصدر) وغيرهم من شهداء الحركات المقاومة للنظام، الكثير من البيانات والبلاغات كانت تقدم الأدلة الدامغة على عدم ارتباطها بإيران او اي دولة مجاورة، بل هي حركة مسلحة تقاتل النظام من اجل الحرية وبناء الدولة الديمقراطية دولة العدل والمساواة وصيانة كرامة الإنسان وأمنه ورفاهه.... فقد أصبحت كلمة العميل الملحقة بأسماء القوى السياسية المقاومة للسلطة تقابل بالاستهزاء والتندر وترتد لصدر السلطة وأجهزتها الإعلامية المهرجة .....

في صبيحة احد الأيام حينما كانت العائلة المستأمنة على (سعيده) تريد تقديم الطعام لها، فلم تعثر لها على اثر رغم التحري عنها في كل مكان من الدار وما حولها في الأكمات المحيطة بصريفتها، تم أخبار (المله فطومه) بالأمر، فاتت بنفسها لتتأكد من الأمر برفقة بعضا من أفراد الشرطة والأمن، انتشرت الزوارق البخارية في كل مكان فباءت كل الجهود في العثور عليها حية او ميتة، سجلت مفقودة لأسباب مجهولة، ربما جرفتها مياه الاهوار وابتلعتها الأسماك والسلاحف، او اختطفها احد الطناطل وقد يكون أخذها الجن الذي تزوجها وافقدها عقلها من يدري... مثلت (فطومة) دور المتألم مع دموع الأسف لفقدان وديعة المرحوم العزيز الشهيد (سرحان)........

أهمل أمر (سعيده) وطواه النسيان بعد انتشار عشرات الاحتمالات والتصورات لغيابها المفاجئ، اعتبرها البعض من الأرواح المبروكة وقد تسامت الي ربها فتحولت طيرا من طيور الاهوار يسمع له أنين ونواح طوال الليل والنهار حزنا على حبيبها ووالدها... وآخذو ينذرون لها النذور وينصبون لها القدور.... كانت هذه الرواية الأكثر قبولا ورواجا بين سكان الاهوار وملائمة لأوضاعهم المأساوية وواقع الخوف والقهر والتوتر الذي خيم على حياتهم تحت كابوس الحرب التي يشتد أوار نيرانها يوم بعد يوم والتي بدت بلا نهاية .... استقبل (الثوار) (سعيده) بفرح بالغ اغلبهم يعرف قصتها الحزينة وحبها المغدور، كان حبها مضاعفا فهي حبيبة محبوبهم (ناطور) وهي أبنت (سرحان) المقاتل الذي اثبت جراءة وبسالة وحنكة كبيرة في المعارك والتدبير، وقدرته الكبيرة على معرفة خارطة الاهوار مداخلها مخارجها حتى في الليالي المظلمة كطائر من طيورها ،كان الثوار بحاجة ماسة الي مثل هذه الخبرة ومثل هذا الدليل عند تخطيطهم لاي عملية او عند تنقلهم من مكان لآخر ومن چباشة الي أخرى، فلازال العديد منهم يتذكرون بألم بالغ ما آل إليه مصير الثائر الشيوعي (خالد احمد زكي) في اهوار الغموگه حينما ظل هو ورفاقه الطريق آنذاك.............

كانت (سعيده) مذهولة ولم تدرك ما هي عليه، حتى إنها لن تتعرف والدها في أول الأمر، تولت النساء عملية تنظيفها بإدخالها حمام ساخن اعد لها خصيصا، واستخدمن مبيدات القمل لتخليصها من أسراب القمل وبيوضه المعششة في رأسها وكل جسمها طوال فترة حجزها، أعدو لها وجبة دسمة من حليب الجاموس ومن الزبد والجبن، وخصصن لها وجبات غذائية خاصة من لحم الطيور والأسماك والتمر، وصف لها مسؤول المفرزة الطبية أنواعا من المراهم لمداواة التقرحات المنتشرة في جسمها، وبعض الحبوب والبراشم للقضاء على الالتهابات .... كان (سرحان) يجلس قبالتها أوقات طويلة يسرد لها حياتهما وذكرياتهما منذ طفولتها واسترجاع الاحداث التي مرت بهما، تستمع أحيانا بانتباه كبير وأحيانا تصرخ خوفا من الذئاب العاوية ... تنادي (ناطور) تنادي أمها تبصق بوجه (حاشوش) و(مريوده) ... تندب أمها .. تعاتب سيد (يوشع) ولماذا خذلها، ارتشى ب(طلي) حاشوش الحرام وترفع على (ديكها الأبيض) ملكها الوحيد، ثم تستكين وتنام .... أخذت صحتها تتحسن يوم بعد يوم وأخذت تستأنس والدها ونساء (الثوار) ... تناقصت نوبات صراخها وفزعها .. أخذت تدعو كل شاب يحمل سلاحا (ناطور) ... كان الجمع يرقب تصرفاتها بين حزن وفرح حسب تصرفاتها.....أخذت تسال عن والدها وعن (حاشوش) و(مريوده) .. وأين هي الان كانوا يجيبونها عن كل أسئلتها بالتفصيل،يوم بعد آخر أخذت تتحسن وتنشط وتستوعب ... وما ان مر الشهر الأول على تواجدها مع رفاق والدها حتى استعادت كامل وعيها...

كاد والدها ان يطير من الفرح وهو يرى ابنته العزيزة عادت معافاة وبكامل صحتها الجسمية والعقلية ... أخذت تطالع في بعض الكتب والكراريس الموجودة في مقر الجماعة حين تكون بمفردها ... وكان طلبها الأول من والدها ان تتمرن على استخدام السلاح

بويه آني الي طلب عدكم أتمنه ما تردوني؟؟؟

گولي يبعد أبوچ، غالي وطلب رخيص، بيچ خير ودللي؟؟؟

بويه آني أريد أتدرب عله السلاح؟؟

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2035 الأحد 19 / 02 / 2012)

في نصوص اليوم