نصوص أدبية

ثغرة حمراء

على أوتارها

 خفية،

 كما أباحت لي في ليل الفزعِ،

نحو سواحل الفكرة، في عالم يرفع

ويبني كل ساعة صرحه على أشلاء

 الضحايا والجثث،

 أم أجلس و

أبارك عزلتي أمام صفحة بالكاد

تمنح فسحة لحزني،

 بالكاد تتركني

 أرى من الثقب الصغير في الجدار

ما يتفتت وينهار

من حول غرفتي ؟

حين خَلفتُ البلد الذي أنجبني بخطاياه،

 في لحظة القيظ والغبار الأصفر،

كان قلبي يزاحم نبض الكون، يتدافع كالمجنون

رغبة أن يطال نهايته

يقرأ لغيط لغاته، ينزع من تشنج يده مفتاح التجول

 والإبحار كما تشاء

وتهوى سفني،

مرمية أبعد من خيوط الفجر وسنان الغسق، كانت

مخيلتي، الخير والشر يتمازحان في ظلها الوارف،

 الضحك والوجوم

المباغت، جئت

 لاهثاً لأرى

 رفيق الفقر والتشرد في عواصم

النساء والكتب، وآبار عيني تذرف

ما ظل في عمقها من الشمع والدموع

 الساخنة،

آملاً بالعودة حين تصحو

وتكشف عن وجهها أمام القبة الزرقاء

والغيوم المتواترة، نافورة عشق

 الحياة

والمواسم المتجددة، قلت في نفسي :

سأركب القطار الأول، الباخرة التي

ترسو سهواً على الساحل المهجور،

الطائرة الورقية لكي أحط كالندى

 الخفيف

ضيفاً على سطوح طفولتي وصيفها

عليل النسمةِ.

في ليلة وضحاها، لمستُ كما يلمس المرء

الصخر الذي لا يتفتت،

عمق حماقتي، لكل حادث وضعت قائمة

 من الثغرات والسقوط

المحتملِ، غير أن عيني كانت كالمصابة بالشلل،

 لم تر أو تفقه

ما يحاك من الأقنعة يلبسونها تحت حجاب التجارة

 والغرف السرية،

ليكون ثمن الصنم الذي كسرت أقدامه دبابة المحتل،

 مدن بكاملها

من المهجرين في الأزقة المظلمة،

الخوف يمزق أحشائهم قبل هجوم

الذل والفاقة.

ثم أتتني صاعقة،

كارثة،

فجيعة شمس كريم ووجهها المشطور

بسكاكين

الغدر، السيارات المُفخخةِ، جاءتني بالصدفة،

عن طريق الموقع الذي أنشر

فيه قصائدي، أو أحشائي المهشمة كما تهشمَ

وجه البلاد تحت أحذية الغازي الشرهِ،

غاب الكون عن ناظري، في عمري الشائخ

والعاري أمام نظرة الخالق، العوز يطحنني،

ما الذي يمكن لأصابعي منحه لهذه

الطفلة المسحوقة كالتراب تحت بلدوزر الألمِ؟

 لتقولوا لمنْ منحها الحياة، والدها، بأني،

مثله

أمنحها عيني اليمنى أو الشمالية،

 كل ما فيَّ من دم يسيل

ودم يتخثر

في هذه اللحظة، حيث لا يكف رماد

سجائري عن

ملأ غرفة البؤس التي اقطنها،

كما يملأ رئتي، والحنق يصعد في حنجرتي

صرخةً غضب

على من أفرغ البلدة من أطبائها وعلمائها

 يفكون طلاسم

الأفلاك ويردون شعاع النور

 المُنسحبِ إلى العين المفتوحة

كثغرة حمراء، أو نجمة عار تحملها الملائكة

 فوق صدرها

المزين بنياشين الكذبة، رباه كيف ينام حاكم

الوطن ويشخر في سريره المحصنِ

والثغرة الحمراء المفتوحة في عين شمس

تهتك كل ستر أو تحايل في أوراق لعبة

القمار الخاسر، رباه أين ولوا شعراء

الأرض ونواحهم الدائم على الوردة

الذابلة، على الجمل المتلعثمة والقوافي

الخامدة ؟ رباه أين الوعد بالسخاء وبلسم

الغفران كجزاء لقرون من الصبر والمذلة،

أتظل صامتاً بلا همهمة تدك قلاع اللعبة

وتخرج شمس كريم ثانية وكأن من أهدتها

ثديها الطاهر لم تمت ولم تختفِ تحت وابل

الصواعق والقنابل المتروكة في عز الظهيرة،

رباه

لن أتضرع ثانية أمام محرابك الشامخ في

أضوائه ولن أدخل بعد إلى فساحات مساجدك

الواسعة، إذا ما أغمضت عينك ولم ترجع لي

الطفلةِ كما كانت عليه في سنها الثالثة تلعب

مع أشقتها في باحة الفقراء ووجهها يزهو

كالقرص المتقد في السماء البعيدة، شمس

 العراق البهية ونارها الحارقة. 

 

 ............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1189 الثلاثاء 06/10/2009)

 

 

  

في نصوص اليوم