نصوص أدبية

"التحوُّل" .. قصة على لسان الحيوان / سامي العامري

طارَ القطا نحوها على عَجَلٍ ثم حطَّ وسط الطريق الذي كانت الناقة تخُبُّ عليه وراح يرفُّ بجناحيه رَفاتٍ سريعةً أمامها ويدور حول نفسه .

أثارَ هذا المشهدُ الناقةَ فتوقفتْ لتسأله :

ما بكَ هذا اليومَ يا شريكي في سُكنى الصحراء، أراكَ تدور كقبَّرةٍ قلقةٍ على صغارها ؟

قال طائرُ القطا : إنما اعترضتُ طريقكِ حرصاً عليك فأنا لا أنسى انتماءنا لدم صحراوي واحد ولذا أردتُ أن أحذركِ من مغبة الإستمرار بالسير في طريقٍ لا تعرفين أين ستفضي بكِ نهايتُهُ .

ردتِ الناقةُ : شكراً يا عزيزي فأنا ذاهبة لأنالَ حظي من أسباب التحضر وأهنأَ بحياةٍ رغيدة فقد سمعتُ أنَّ في نهاية هذا الطريق بَشَراً يختلفون عن بَشَر الصحراء عندنا فهم مرفهون وكذلك حيواناتهم ليست مطالبةً بعملٍ أبداً بل تُعامَلُ برفقٍ وطعامُها اللذيذ المُغذّي يصل إلى أسِرَّتِها بكل توقير وهو معمولٌ في مصانعَ ضخمةٍ ومراقَبٌ طبياً ولهذا قررتُ العيش هناك .

ردَّ طائرُ القطا : صحيحٌ جداً ما قلتهِ ولكنْ عليك أولاً نَفضُ كلِّ غبار الصحراء عن وبركِ فالغبار كثيرٌ ويبعث على الإختناق في أي مسكن تلجئين إليه، وعمليةُ نفض الغبار ستطول فأنا أحكي لك عن خبرة استمدَدْتُها من خلال طيراني المستمر عبر البلدان فأنا نفسي أودُّ أن أفعلَ الأمرَ الذي تتمنينَهُ كأنْ أتحول إلى غرابٍ في دروبِ تلك المدنِ الوفيرة الخيرات غير أن طقسهم باردٌ ولذا عليَّ التمرن على البرد طويلاً كي أحتمل العيش هناك وعليه تجدينني أطير تارة إلى مناطق ثلجية لفترة قصيرة ثم أرحلُ تارة أخرى إلى مناطقَ شرقيةٍ دافئة لعدة أيامٍ وهكذا وأشكُّ بأني سأنجح فهذا التمرين شاقٌّ وقد يطول ولكني ربما هيأتُ الطريق إلى أبنائي وأحفادي ثم أنه ليس كل ما ترينه في صحرائنا أمراً سيئاً فأنا أعتقد أنه بالإمكان جعلُ الصحراء واحةً غَناءَ ثَمراءَ لو نُظِرَ إلى الأمر ببصيرة .

ردتِ الناقةُ : بل سأذهب وأغامر وليكنْ ما يكون فأنت كما يبدو رغم سفراتك وتعرفك على الكثير من البلدان والشعوب والألسن مازلتَ مُتطامِناً لواقعٍ مُزْرٍ ... سأذهب وأعيش هناك ولو كقطةٍ منزلية ... فاستمرتْ الناقةُ في خببها، وحادَ طائرُ القطا عن غبارها وهو يَصْفقُ بسبب الأسى جناحاً بجناح !!

 

برلين

شتاء - 2012

 

.........................

(*) من مجموعة قصصية على لسان الحيوان

قيد الإنجاز .

---------

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2043 الأثنين 27 / 02 / 2012)

 

في نصوص اليوم