نصوص أدبية

بعيداً .. عن الماء / حارث معد

ارحلْ..

دعْ هطولَ الماء

ونمْ على جبلٍ من الأرق،

ارحلْ عن الواحاتِ،

ارحلْ عن دموعِها

ودعْ أيَّ  شيءٍ فيهِ ماء..

 

لا يهمُّ،

إذا ما نمتُ في وادي الضفادع،

أو حلمتُ،

بوجباتٍ تُغادر المطابخ،

والجوعُ الأحمقُ،

يقاتلُ أمعائي..

المهمُّ أن اتركَ أيَّ شيءٍ فيهِ ماء

حتى عرَقَ جبيني

أن أتوقَّفَ حتى عن التبوّل،

وأغمضَ عيوني الذابلة،

كي لا تدمع

أو أغضَّ النظرَ عن الحلويات،

كي لا يسيلَ لعابي

سأرحلُ إذن عن الماء

بيدي قلبي المنتحر،

ومعي ثيابي المتسخة..

 

يا مزمارَ الريح،

يا هديرَ العجلات،

يا عصافيرَ بيتِنا العطشى،

فلتشهدي رحيلي،

وقولي لإخوتي:

ساتركُ بقايا مني:

فرشةَ أسناني الساخنة،

منشفتي المهترئة،

وجهيَ المطلَّ من الصُّوَر القديمة،

محبرتي البيضاءَ الفارغة،

وقليلاً من رائحةِ ملابسي المتعفنة،

وعزفيَ المزعجَ،

وصراخي المدوِّي،

ومشاكستي،

وعبثي مع أبي..

قولي لهم:

سيرحل،

مع زفيرِ صبحِ مدينتِنا العتيقةِ،

الغافيةِ على أجنحةِ الثيرانِ المجنَّحه..

سيرحلُ مُخلِّفاً وراءَه،

عتابَ طفولةٍ،

وشوارعَ مقفلةً،

وأزقةً ما عادت تذكِّرُنا

بشيءٍ يُشبهُ الأزقه..

سيرحلُ

مودِّعاً أيَّ شيءٍ،

فيهِ ماءْ..

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2046 الخميس 01 / 03 / 2012)

في نصوص اليوم