نصوص أدبية

أحلام و قطط / عبد الفتاح ألمطلبي

  لكنني لم أسمع خلافاتٍ محتدمةً بين القطط، هل عرضَ لهذه القطط حلمي الذي حلمت به الليلة البارحة فاستخْدمتْ ما يُشاع عن قدراتها والتحقتْ هناك مع تلك القطط التي رأيتها في الحلم، ربما، لأن القطط مخلوقات يدور حولها الكثير من الحديث وتلك العلاقة المريبة بينها وبين عالم الجن و أرواحها السبع وعيونها اللاصفة في الظلام كأنها شرارات متحركة يتحدثُ عنها العجائز الذين تقاعدوا منذ زمن بعيد ولم يعد بإمكانهم معاصرة الأحداث واكتفوا بالانشغال بأحاديث عن السعلاة وجيرانها وقدرات القطط السرية وكذلك يتحدث الأطفال للأطفال عن ذلك بحماس كبير وقد اختلطت الصور في أذهانهم عجائزَ وأطفالاً، حتى باتت القطط بين أمرين لا ثالث لهما أما قطط يحبها الأطفال السُذج لأنها لم تبرز بعد مخالبها من أغمادها وراحت تغمض عينيها عن سماجتهم و أما قطط تهابها ذاكرة العجائز المعطوبة،لاعتقادهم أن لا مبرر لأثارةِ الأرواح السبعة التي تسكنها  وكنت حريصا على مراقبة القطط وسلوكها المشوب برائحة مؤامرة ما  أينما تكون في التلفزيون  في الشارع  في الليل في النهار، فوجدت بعد مراقبة طويلة أنها في الليل تختلف عما هي عليه في النهار، ما يهمني  من ذلك هو بماذا أنفق  هذا الوقت  بلا قطط أراقبها ؟ وتمنيت أنها كانت أكثر واقعية مع نفسها ولم تصدق تلك الأباطيل والهلاوس في أحلامي إذا افترضتُ أنها قد تجنبتني وهجرت بيتي وفضلت الابتعاد لأجل ذلك  فأنا شخصيا لا أصدق أحلامي واعمد إلى تجاهل الكثير منها، رغم أنها أحلامٌ مشروعة وواقعية ولا تتطلب الكثير هكذا كانت أفكاري مرتبكة وغير مرتبه وأنا أجلس على أرجوحة الحديقة الحديدية، كان  دماغي فارغا من أية فكرة أو أشباهها إلا من صورة لسياج بيتنا وهو يفتقر بشدة لوجود القطط التي كانت صائلة ً جائلةً بالأمس، تجعله سياجا حيا بالصورة والصوت عندما تهرُّ على بعضها وتمارس تلك العادات  القططية من مثل المواء الحواري بين ذكرين أساءا فهم بعضهما أو بين ذكر و أنثى غير مقتنعة بعرض الذكر أو لونه أو كثافة شاربه، أقول ربما و أتساءل أين ذهبت تلك القطط، ربما فعلت ذلك لأنها كائن ليلي مثل الأحلام تماما ، فهي قطط نائمة لا غير خلال معظم النهار وفي الليل الذي نهرب منه جميعاً  إلى النوم لها شأن آخر ربما تقتات على الأحلام، لا نعلم، ربما هذا هو سر ولعها بالظلام، الأحلام والقطط يملآن ليلنا، ننام ونصحو فنجد القطط تموء بوداعة و الأحلام لا أثر لها، هل أكلتها القطط؟ ربما !،شيء آخر تجدر ملاحظته وهو أن القطط تتواجد بكثرة في مناطق الفقراء الحالمين،ذلك أن مناطقهم هي أكثر حقول الأحلام ثراءً وهي تطوف على أسطح منازلهم وفي غرفهم وهم مازالوا نائمين لذلك ربما تقتات هذه القطط على الأحلام المنفلتة من رؤوس الحالمين ليلا دون أن يشعروا، ذلك يفسر اختفائها المفاجئ لأن موسما ً من الأحلام السمينة تجتاح مخيلة الفقراء في بلادنا هذه الأيام و إذا صح الحدسُ و إنها تلتهمُ الأحلامَ ليلاً فقد تأكد لي أن سبباً وجيهاً وراء اختفائها هذه الأيام،و إنها ربما هي القطط ذاتها التي رأيتها تزدحمُ في الحلم وعندما خلدت إلى النوم وتوغلتُ في عوالمه رأيت الرجل ذاته لليلةِ الثانية يجلسُ على  كرسيٍِّ من الطراز الفيكتوري ، رجلٌ خمسيني لا يلوح لي منه غير قفاه  وصلعةٍ كنت قد رأيت مثيلتها في مكان ما، أين يا ربي؟ أين ؟... ربما في محل الحلاقة إذ كان كثيرٌ من الناس ينتظرون دورَهم لجزّ رؤوسِهم عفواً أسأت التعبير أقصد حلقَ رؤوسهم  نعم تذكرت هذه الصلعة رأيتها في دكان الحلاق، نعم ..نعم إنها صلعةُ قاطع الرؤوس،أوه.. أقصد حالق الرؤوس ورأيت الكثير من القطط تزدحم أمامه وتموء بتذلل وتهز ذيولها بتلك الحركة التي تعبر عن أمل ما في الحصول على شيء من يد الرجل ووددتُ لو أنني أعرف ما بين يديه  وما الذي يقدمه لها  لكنه بإشارة من يده التي قاربت أن تفقأ عيني في الحلم  أيقظني فرحتُ أتفرس في سقف الغرفة التي تضم سريري  وكان الوقتُ يقارب العاشرة َ صباحا وضعتُ قدمي في نعالي الجلدي وخرجت إلى حديقتي الصغيرة وكان طبيعيا أن لا أجد أثراً للقطط في هذا الوقت لأنها ستكون نائمة بعد ليلٍ حافلٍ ورحت أفكر بمغزى اختفاء القطط في الواقع ووجودها بكثافةٍ في الحلم تزدحم أمام الرجل  الذي كان يلقي لها بشيء ما من الإناء الذي بين يديه  وتلبستني رغبة ملحة في معرفة ما يجري، ملأت كوب الشاي الحار ورحتُ أتلذذ برشفات متقطعة وسريعة لعلي أهتدي لمغزى حلمي المتكرر ولكن دون جدوى، ورغم أنني أصبت بهلعٍ شديد واستيقظت مرتعباً من حلم الليلة البارحة إلا أنني وجدتُ نفسي أتوق لمعرفة سر هذا الرجل المتكرر في أحلامي  حتى كدتُ أظن أنه هو الحقيقة وأنا الوهم  وهكذا عبأت نفسي برغبة مستطلعة ونمتُ نوما هادئا ً لا أحلامَ فيه إلى درجة إحساسي بالضجر من انتظاري للرجل الأصلع وراودتني فكرة الصحو غير أنه حضر أمامي فجأة مع جمع من القطط التي بدت سمينه وهو يطعمها من إنائه وأحسستُ أنه يريدني أن أرى ما في الإناء ويا للهول مما رأيت، كان الإناءُ مملوءا  بكل أحلامي التي حلمت بتحقيقها ولم تتحقق ووجدتُ أكداساً من أحلام الآخرين لا زالت تنزُّ دماً   كان قد قطّعها أشلاءً وبدت من لحم ودم وكأنني رأيتُ لحمَ بعضها يرف مثل لحم خروفٍ مسلوخ ٍ تواً وهو يلقي بها للقطط الجائعة المتلمظة وينظر إلي ويضحك ولما حاولت أن أعترض على ما يجري كان يتوقع ذلك و قد أعدّ نفسه له،أخرج مسدسا و أطلق النار علي دون تردد فصرخت وكنت أضع يدي على قلبي ولما فتحت عيني وجدتُ من يكلمني وبيده قدح الماء وحبة الدواء وكان عرقُ غزيرٌ يتصبب فوق جبيني وفي لحظةٍ بعدها وبعدما هدأت أوجاعي سمعت عراك هرّين  كبيرين في وضح النهار وكأن القطط تأكدت من أنني لا أشكل خطرا على مصالحها بعد أن أطلق الرجل الخمسيني الأصلع  الرصاص على قلبي و إن أحلامي أُكلت ولم أعد أملك منها شيئا، ربما كان ذلك ما تحاشاه كبار السن المتقاعدون لكي لا يثيروا أرواحها السبعة وفضلوا أن يتحدثوا دائما عن قدراتها السرية وعلاقتها باختفاء الأحلام.  

 

قصة قصيرة

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2047 الجمعة 02 / 03 / 2012)

في نصوص اليوم