نصوص أدبية
مقطع من روايتي في حدائق كافكا / زوليخا موساوي
جاك le fataliste ولم يفعل . بعد تفكير أظن أني أتهم ديدروبشيء لم يقم به . ليس هو من وعد القارئ بل جاك نفسه من قام بذلك مرات متعددة المسألة اذن كانت مقصودة لاغاظة القارئ ربما أو المسألة فقط تآمر بين الكاتب وشخصيته على أية حال فمن دفع ثمنها هو القارئ. أنا شخصيا أصبت بالاحباط حين أنهيت الرواية ولم أجد فيها أي شيء عن غراميات جاك. وكنت قد أحببت جاك ذاك وكم تمنيت أن يتذكر وعده ويحكي لنا غرامياته خاصة وأني شغوفة بقصص الحب وما شابه.
أنا فعلا سأحدثكم بصراحة وبكل صدق عن قصة الأساور.
هي ليست أساور عادية ما دامت لها قصة لكنها ليست قصة خرافية حيث الأميرة مسجونة في قصر والأمير بمساعدة احدى الحوريات سيحول الأساور الى سلالم ليتمكن من انقاذ الأميرة المسجونة ولو أن هذه الحكاية بدأت تستهويني ففيها من الاثارة الشيء الكثير. لكن لا عزيزي القارئ عزيزتي القارئة هذه القصة ليست خرافية بل واقعية أكثر من الواقع ولو أن الأساور التي سأحكي قصتها كان لها مفعول السحر أيضا لأنها دخلت التاريخ. كان تاريخا شخصيا لكن أصبح جماعيا. وهنا تتجلى قدرته السحرية.
هي أساور غير عادية لأنها أعطتني فرصة من ذهب لرد الجميل باسم أجيال من القراء الى كاتب جميل لا أقصد بجميل وسامة الوجه ولو أنه كذلك أيضا. الى كاتب اذن ومناضل ثقافي. لم لا؟ نقول مناضل سياسي, مناضل نقابي, مناضل حزبي... ولا نقول هذا مناضل ثقافي. ستفهمون ما أعنيه حين تكملون قراءة هذه الرواية التي أضع بين أيديكم بكل تواضع.
قلت مع نفسي أننا في الدول التي يسمونها في طور النمو كي لا يقولوا متخلفة عن الركب ما دام هذا الطور العجيب قد امتد الى ما نهاية. نحن اذن نجحد في حق مثقفينا. فلا نوافيهم ما يستحقوته من الاعتراف والمحبة. أكاد أجزم أنه لا يوجد في أي دولة عربية منزلا لأحد المثقفين وقد تحول الى معلمة تاريخية تعرف بها المدينة يؤمها الزوار. لاحظوا أني لا أتكلم عن الثقافة بنون النسوة لأن الأمر لو كان كذلك لتعدى الخيال.
هي أساور سحرية اذن لأنها استطاعت أن تطرد كافكا من حديقته.
ها هو كافكا يخرج منهزما. ستتساءلون لماذا الأساور بجانب اسم كافكا؟ هل كان مثليا يضع الأساور؟
لا تذهبوا بأخيلتكم بعيدا فالرجل كان طبيعيا على الأقل من هذه الناحية على حد علمي.
لكن مع ذلك فهذه الأساور مهمة جدا رغم أنها أشياء صغيرة ووضعت أصلا للزينة الا أنها أحيانا تتخذ أشكالا أسطورية كالأهرامات الفرعونية. الأساور التي أتحدث عنها طردت كافكا من حديقته. ستعرفون أنها حقيقة وليست فقط حذلقة أدبية.
سأحكي لكم القصة من البداية. والبداية كانت في أحد الأقسام الدراسية في إحدى الثانويات في الوطن العربي,
تنظر بامعان الى العيون التى تتابع كلماتها وحركاتها وهي تتحرك على المنصة ثم تعود للمكتب تتكئ على حافته بكفيها وهي تتوجه للتلاميذ بالكلام
كم يعجبها أن تغوص معهم هكذا في شؤون الحياة والأدب لأنها تعتبر الأدب جزءا من الحياة مهما قيل عن التيارات والاتجاهات الأدبية الحداثية وما بعد الحداثية وموت الكاتب وكل هذه التسميات التي تعتبرها شطحات النقاد وبعض المؤلفين.
هي تدرك عمق حاجة الإنسان للأدب. الإنسان العادي البسيط والذي يمثل أكثرية.
لكن هل هذا الإنسان يتاح له هذا الأدب وهي تقصد بذلك الإمكانات الفكرية فحين نكتب هل نسال أنفسنا لمن نكتب؟
اندهشت مرة وأصيبت بإحباط شديد حين سألت أحد قرائها عن رأيه في روايتها فأجابها بعفوية الإنسان البسيط:
لم افهمها يا أستاذة!
كانت تتوقع إجابات كثيرة إلا هذه. هي تعرف الشخص منذ مدة وتعرف أن مستواه الدراسي يؤهله ليقرأ الرواية لكن هل مستواه المعرفي كذلك؟
وهنا تدرك أنها تضع أصبعها على إشكالية لم يستطع لا النقاد ولا الكتاب إيجاد حل لها.
كيف يمكن وضع القارئ والعمل الأدبي على قدم المساواة؟
تحلم أن تكتب رواية لكل الأجناس والفئات العمرية.
ثم تضحك من نفسها: يا لهذه الطوباوية الرخيصة!
كل هذه الاسئلة وغيرها تلوكها وهي تقطع المسافة بين الباب والمكتب بخطى وئيدة تفكر – تطرح الأسئلة وتجيب عنها بنفسها لأن المتمدرسين مع الأسف أصبحوا يحفظون شخصيات المساسلات المصرية السورية المكسيكية وحتى التركية لكن لا يهتمون بشخصية رواية ما حتى تلك التي يدرسونها في المقرر.
طبعا ما دامت مؤسسة تعليمية لا تحتوي على مكتبة.
حين تسألهم عن نجيب محفوظ مثلا كي تقارنه بموبسان تكتشف بفظاعة أنهم لا يعرفون عن نجيب محفوظ غير الاسم. أما موبسان فلا يعرفون عنه شيئا.
تحاول التحليق بأدمغة تلامذتها في مجال هذه المقارنات بين الكتاب ، بين الأجناس الأدبية وبين الفضاءات المختلفة التي أعطتنا رائعة من روائع الأدب العالمي.
وهم يحللون نصا للافنتين كانت تسألهم:
من منكم يعرف اسم كاتب ينتمي للحضارة العربية الإسلامية ولو أنه من أصل فارسي كتب قبل لافنتين بقرون قصصا على لسان الحيوانات. ما اسم الكتاب الذي يحتوي بين دفتيه هذه الحكايات؟
وجوم تام.
لم تستطع أن تمنع نفسها من الضحك بمرارة حين أجابها يوما تلميذ عن سؤالها عن الرواية التي تدرسونها في قسم اللغة العربية؟
أستاذة ذلك الكاتب يريد أن يشغلنا عن ديننا لأنه يصف لنا أشياء تتنافى مع ديننا الاسلامي. يقول أحد التلاميذ بثقة كبيرة.
وقفت تحملق فيه لبضع ثوان من شدة الصدمة.
لم تستفق إلا على ضحكات الآخرين وهم يتطلعون إلى تعبير وجهها.
سؤال بسيط من فضلك ،قالت بعد أن هدأ الجميع.
ما هي علاقة الدين بأحداث الرواية ؟كيف فهمت أن الكاتب يشغلك عن دينك؟
أستاذ اللغة العربية هو من قال لنا ذلك.
وها هو رأيك أنت؟
صحيح أستاذة لأنه يصف العلاقة الجنسية بين رجل وامراة!
يصف! قلت يصف . هل الوصف هو الفعل؟
لا.
جيد! نتفق أولا اأن وصف الحياة ليست إلا صورة عن الحياة وليست الحياة بذاتها هي فقط حياة من ورق ثم سؤال آخر لو لم تكن الحياة الجنسية بين رجل وامرأة هل كنت أنت أو أنا أو أي أحد آخر ليكون موجودا؟
ضحكوا جميعا.
اضطر صاحب السؤال أن يبتسم وهو يهمس دون أن ينظر إلى الأستاذة:
لا!
إذن العلاقة الجنسية موجودة سواء وصفها الكاتب أم لا صحيح؟
نعم أستاذة.
السؤال الأهم إذن ما دامت موجودة ما الذي يمنع من وصفها؟
تصمت قليلا ثم تضيف لنفترض أن العلاقة الجنسية تخلق حساسية عند البعض هل بعدم الحديث عنها سنعالج المشكلة؟
ماذا يقول الإمام أو الفقيه حين يسأله شخص ما عن مشكلة تؤرقه تتصل بحميميته ألا يقول له لا حياء في الدين؟
إذن لا حياء في الأدب!
ألا ترى معي أنه كان من الممكن تجنب كثير من المشاكل الدرامية لو كنا نتلقى تربية جنسية سواء في أسرنا أو في المؤسسات المهتمة بالتربية؟ ألا تعرف مقولة كل ممنوع مرغوب؟
ثم دون أن تنتظر جوابا تطلب منهم أن يعمقوا التفكير في هذه الأسئلة وهي تؤكد أن مهمة الأدب هي تماما هذه : تعميق الأسئلة حول كل مناحي الحياة. ليست مهمته إيجاد حلول لمشاكل المجتمع. تلك مهمة ستنيط بكم أنتم الأجيال المستقبلية حين ستصيرون مفكرين فلاسفة وعلماء كل في مجال تخصصه. هكذا فقط ستتقدم مجتمعاتنا. وليس بتجريم الأدب الذي من مهمته تعرية المجتمع كي يسهل على العلماء دراسته وفحصه ومن ثم إيجاد الدواء المناسب لأورامه.
من آخر القسم أتاها صوت أحد التلاميذ يسأل باستغراب:
لكن أستاذة نحن نريد أجوبة!
نظرت إليه ابتسمت ثم قالت:
مع الأسف يا عزيزي هذه ليست مهمة الأدب.
ثم قالت وهي تتجه بالسؤال الى كل القسم:
من يستطيع الآن أن يعطينا وجهة نظره في الرواية؟
ترفع تلميذة أصبعها في آخر القسم تشير إليها الأستاذة:
تفضلي يا آنسة!
الحي اللاتيني رواية تحكي بضمير المتكلم عن شاب شرقي يغادر بلاده إلى فرنسا للدراسة يستقر في حي يسمى الحي اللاتيني و...
توقفها الأستاذة بإشارة من يدها:
آنسة أنت تعطينا ملخصا لأحداث الرواية كلنا نعرفها أريد أن أسمع ارتساماتكم عنها.
ثوان من الصمت.
ترفع فتاة في الصف الأول أصبعها بتردد:
الرواية مهمة جدا لأنها تناقش موضوعا جديدا ومهما وهو صراع الحضارات.
هائل!!
تصرخ الأستاذة . ممتاز! هذا ما كنت أنتظره صراع أزلي ولكنه ما زال آنيا. صراع الشرق والغرب أو ما يسمى اليوم بعلاقة شمال جنوب.
أحداث الرواية ليست هدفا في حد ذاته بل وسيلة لطرح هذه المسالة.
لماذا نحن نئن تحت وطأة التاريخ لا نستطيع أن نخطو خطوة إلى الأمام لماذا هذا التباين في السلوك في التفكير وفي طرق العيش كيف يمكننا تخطي الماضي الذي يرهقنا لنتجه بكل قوة ونسخر عقلنا لخدمة مجتمعاتنا التي في أغلبها لا تزال تحني هامتها تحت ثقل الجهل والأمية ؟
هذه هي الأسئلة التي يجب أن تشغلكم خاصة أنكم بناة المستقبل!
يقاطعها رنين الجرس معلنا انتهاء الحصة. يتدافع التلاميذ نحو الباب لا يبالون بشيء.
زوليخا موساوي الأخضري
المغرب
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2058 الثلاثاء 13 / 03 / 2012