نصوص أدبية

مأزق .. / سنية عبد عون رشو

 حكاياته.... عطشى

كيف يترجل عن ايقاع ماضيه

صحراء قلبه تنشد المن والسلوى

استرح ......استاعد ..

........ يرفع نبرات صوته وتنتفخ أوداجه حين يلفظ هاتين الكلمتين فقد تعود أبناؤه وأحفاده على سماعهما حين يقص عليهم حكاياته في جبهات القتال......

أحيانا أخرى  يحدثهم بشغف وحنان عن جدتهم ....تلك المرأة التي خطفت قلبه أيام صباه .... وكيف كانت تعتني به وبملبسه حين يخرج مع أصحابه مساء  تبخره قبل خروجه وترشه بالعطر والمسك ..... ترتسم ابتسامة إشفاق تؤلمه  على وجه زوج ابنه  

 لكنه لم ينس كلام آمر الوحدة ومدحه إياه  رغم تخطيه السبعين من عمره

اتكأ بذراعيه النحيلتين فوق وسادته محاولا  التخلص من ألم في عموده الفقري ....يجاهد  ان يجعل ظهره منتصبا ليكمل حديثه قائلا .....ان آمر الوحدة كان يفضلني على الاخرين من نواب الضباط .....انه شديد الاعجاب بطريقتي في تدريب الجنود وطريقة استعراضهم أمامه وأمام بقية الضباط الاخرين فهو يوبخ المقصرين منهم بقوله ....ليتكم مثل نائب ضابط طعمة  وحرصه الشديد  .....أخذ نفسا عميقا من نرجيلته ثم أبعدها عن فمه بعدما شعر بضيق في صدره .....شحن روحه بطاقة  من الحماس وهو يقول ......آه ... أيتها الايام  .... كان صوتي مجلجلا أمام الجنود صارخا بهم..... استرح ....استااااااااااااااعد ...... ينتابهم الذعر.... والله..... فيبدون كأنهم صخور متصلبة ...... كنت أدربهم بشدة وفوق طاقتهم أحيانا كثيرة دون ملل أو تعب  

قاطعه فتى  من أحفاده ...... ألست نادما  يا جدي ....؟؟؟

من المؤكد انك لا تفهم بهذه الامور يا فتى ......

إنشغل عنه الجميع بمتابعة أحد الافلام الاجنبية  .... بينما ظل الجد ساهما فهو لا يحب مشاهدة التلفاز ....عندها شعر انه بحاجة الى النوم والصمت

وجد نفسه انه يواجه مشكلة خبأها في قلبه منذ زمن .... ان الكل منشغل عنه بما فيهم أولاده الذكور .... حتى احفاده .... لكنه وضع رأسه فوق وسادته ....وأغمض عينيه كأنه طفل يحلق بروح البراءة الجميلة

تتراءى أمامه زوجه وهي  تتلفع بعباءة بيضاء ناصعة ووجهها كهالة القمر... تهمس له إني أنتظرك ..... أترقب مجيئك الى حدائقي الخضر المزهرة.....عندها ستشعر بسعادة غامرة .....سترى سحب بيضاء تملأ السماء كأنها تنتظرك هي الاخرى ...ولكن بعد حين.... .مدت يدها مودعة إياه وهي  تردد.....ولكن بعد حين ....  

انتبه مذعورا وهو يصوب نظراته نحو حجرتها .....آ ه... وحدك من تحمل

العوز والفقر ومسؤولية هذه الاسرة   حين كنت أنا هناك في الجبهة .... المرض أنهك جسدك الرقيق وعينيك الجميلتين  .....نعم الان أشعر بندم يأكل أحشائي.....وقد قالها حفيدك  .....!!

تعبت روحه وهو يراقب أحفاده ...  يتقافزون أمامه كعصافير الباحة.. ويسمع ضجيجهم وصخبهم كان يفترش سجادة تآكلت أطرافها تتوسطها ثقوب صغيرة بفعل تراكم السنين .....يلتحف ملاءة خاطتها أصابعها في أيامهم الخوالي .......

كان رجلا دؤوبا في عمله كثير النشاط ....  يفرض وقاره لمن يجالسه   يتحدث عن ماضية بفخر وسعادة ......إلا عنها  .. يشعر ان روحه قلقة تجاه ذكرياته وماضيه معها

وقف قبالة باب حجرتها ....فرآها ساجدة باتجاه قبلة الصلاة ....كما كانت تفعل سابقا .....ساقاه لا تقويان على حمله فهوى جاثما على ركبتيه ....أخرج منديلا من جيبه وراح يمسح قطرات العرق المتصببة من وجهه ....ارتعشت شفتاه وهو يحاول مناداتها باسمها دون كنية أو لقب ....لكنها حين أنهت طقوسها ابتسمت له ابتسامة فيها تساؤل وعتاب .....

احتدمت المعركة بينه وبين هواجسه .....أخذ يفرك عينيه ....ما رآه وسمعه ....أهو ضرب من الجنون .....أم انها الحقيقة بعينها ؟؟...انه لا يدري........ وهو يفضل انه لايدري ......

ان المرأة التي رافقته خلال  سني عمره ما زالت ترافق خياله

فاجأه صوت حفيده  .....جدي ان الحجرة فارغة

فلم تطيل التحديق  بجدرانها .....؟ 

 يكاد لا يصدقه ... فتأخذه قدماه ليغلق بابها بيد مرتبكة .....ظلت كلمات حفيده تحفر أخاديدها في قلبه فكان صداها يبعثر أفكاره ويشتتها .......لكنه أيقن انها الحقيقة وعليه ان يصدقها

يداه هي وسادته فوق عشب الارض في حديقة داره   يغالب اغفاءة تقتحم جفنيه وهو يفكر ......كيف يقضي أيامه المتبقية .....ولمن يبوح عما يختلج روحه .....؟؟

تفاجأت زوج ابنه ............  فقد  نسوه .. ولم يدعوه لمشاركتهم وجبة العشاء .. والصغار لم يبقوا غموسا ولا خبزا..

 

قصة قصيرة

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2076 السبت 31 / 03 / 2012)


في نصوص اليوم