نصوص أدبية

ألوان الرياح .. النوم مضرب أمثال / الكيلاني عون

رياح كبيرة كجبل يتهاوى ناعماً ومخفوراً بالأتربة وعليه ومضات وحشة ونكايات غسيل يتطاير فيما الرذاذ يعنِّف الصورة رغم نعومة أنفاسه وطواحينه اللامرئية .

رياح كثيرة كجموع ذاهبين لزوايا حزينة تخيَّرها البرتقال والكافور حتى تمتدح ضراوة الوحشة التي تتلمّس فضاءات الكائن أو تخاتل أحزان الهررة المشرّدة .

رياح تتكلّم بأصوات الراحلين والغائبين، كأنهم يعودون فجأة، جميعاً، نحو وليمة هذيان ليروا المنازل والأهل والأصدقاء، كأنهم لا يبتعدون مطلقاً لأن الغياب وصيفة الرؤيا، ولأنهم يتميّزون بالإقامة رغم حوادث الهجرات القاسية .

رياح ترسم حدود البراءة وميازيب الدمع فيتراءى نهرٌ مفتون بعشاقه المستورين، أو تتناهى أعراسُ نائمين بأمكنة الغبار وسواتر الكنايات المجبولة بأطفالها عنوةَ تنويه بأن الحياة بستان رضوض وأحياناً مزارع بكاء .

رياح بيضاء كأنها صفراء، رمادية كشيء برتقالي، حمراء كسواد يتجمّع بأطراف جريمة، لا لون حقيقي، الألوان هي أيضاً خارج وظيفتها ومعناها وحدوسها، تأخذ تغايرات منطقية عادة لئلا تُحتجز في المتعارَف والمتّفَق والمألوف رغم كذبته .

أنماط غبار وذؤابات شكٍ أخرس يمتطي أفكاره المنهوبة ممّا يتعذّر رؤيته فيستوي الداخل والخارج وتصير الأبواب لعبة تقدير لا أكثر، تصير النوافذ عبارات تتبادل الرطوبة واستكشاف الظلال لتقول للشموع بأن المنازل الأخرى هي أيضاً تتناول وجبة الفراغ على مضض، وسيان ظهر الفستق على دراجته أو تقلّده افتتان النسيان فالحالة هي لا نفسها دائماً .

رياحٌ لا مكتوبة نهار العتمات المتبرّجة لأفكار المقاعد المهتاجة بنمال البرق وأوّل الغثيان البنفسجي لعطّار التفاصيل الملقاة جهراً على قارعة الشرود بعمّال الفخامة الميّتة قاب إعلان بأن الحياة شوارع موازين عاطلة، أو بأنها زينة أجداث .

رياح تتناول آخر الأمر وجبةَ مأهولين بفطام مسيَّر قبل أوانه هو فطام الرغيف والأسعار .

رياح، لو أنها رياح، لو رياحها رياح، كانت تستريح على نفس الرابية المتكوِّنة من أوهام الساهرين فيما العاشرة صباحاً تستورد أدوية العاشرة ليلاً وتقول لجاراتها المقتولات :

عام أزرق من شدّة البرد أو من شدّة الجريمة .

 

النسيان نعمته من بقايا ضلوعه، أما الذكرى فإنها نعمة نفسها، حذارِ تبترد وأنت بلا تأسيس تاريخي لأبجدية الظهور علانية للشارع .

النوم مضرب أمثال في هذا السكون المشدوه بألوان الرياح .

 

صباح الخير جداً جزيلاً أيّهذا الليل .

 

نلتقي بعد الفاصل

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2079 الثلاثاء 03 / 04 / 2012)


في نصوص اليوم