نصوص أدبية

صورة / هيثم بهنام بردى

رابض قرب السقف مقابل النافذة المفتوحة على ليل خاصم قمره، كل شيء أمسى في وهلة وامضة في ذاكرة الضياء… سرير واسع يسع لكائنين يرقد فوقه رجل في عقده السادس بصلعة ملمعة حمراء، ووجه حليق يشف عن وجه متورد بالدم، وقد تناثرت على جانبي جسده فوق الشرشف المدعوك كتب ومجلات ذات أغلفة أرجوانية وعلى يمين النافذة المفتوحة ثمة مكتبة أبنوسية زاخرة بكتب أنيقة نظيمة وأمامها تماماً يجلس كرسي دوار يحتضن بين ذراعيه مكتب من الصاج تكدست فوقه أكوام الكتب، وهناك على يمين الكرسي ثلاجة كهربائية صغيرة، فوقها تماماً صورة شاب أنيق بربطة سوداء قصيرة تطوق العنق حول ياقة قميص أبيض وسترة سوداء وثمة في الوجه الأصلع الشاب التماعة عينين صقريتين وبسمة ألقة مشرقة، تقف على جانبه عروس في ميعة الصبا بوجه صبوح جذاب ونظرة خجلى تحوي بين دفتيها فرحة حيية عجزت الأهداب المسبلة قليلاً على إخفائها

*****

صوت زجاج يتكسر بعنف جعل الرجل يستيقظ وينظر حوله بتساؤل مبطن بنعاس آسر، اتسعت حدقتاه ذهولاً حين لمح الشاب ينزل من الصورة وقد أدمت كفه فتات زجاج الصورة المتفتت وانتشر الدم على شكل نقاط على مساحات مختلفة من قميصه الناصع البياض، وبعد أن أصلح هندامه ومسح كفه المدماة بمنديل أخرجه من جيب سترته رمق الكهل الجالس أمامه على السرير بنظرة حقد ونبر ..

- تهيأ..

هزّ الكهل رأسه متسائلاً..

استطرد الشاب.

- للنزال.

وبعد هنيهة.

- احدنا ينبغي أن يموت.

لاحظ الرجل أن ثمة مخالب أخذت تنمو على أطراف جسد الشاب وصار له وجه قنفذ فتي ثم تهيأ وقد اكتسى وجهه ملامح وجه جلاد يتهيأ لسحب الأنشوطة، قفز الرجل من سريره، صار جسده ناعماً، وهو في تحليقته السرمدية في فضاء الغرفة، تمايل بجسده الفارع ذات يمين وذات الشمال، وصار صراخه وصوصة خانقة، وانقض على الشاب، وتشابك الجسدان

*****

وقفت شمس النهار اليافعة على النافذة، تجمع في ذاكرتها البكر تفصيلات الغرفة… سرير يسع لكائنين يرقد فوقه أفعوان هائل بلا أنياب وقد انتشرت بقع الدم على أنحاء واسعة من جسده الملتف حول رأسه الصامت بعينيه المفقوئتين، وعلى جانبي جسده المرقط كتب ملطخة بدم أحمر قان، بعضها قد تمزقت أغلفتها والبعض الآخر مفتوحة على صفحات بيض استوطن الدم المتيبس أبدانها، وعلى يمين النافذة المفتوحة ثمة مكتبة أبنوسية زاخرة بكتب متناثرة على الأرض وقد تحطم أحد ألواحها وأمامها تماماً كرسي دوار أنثقب قماشه فأعلن عن إسفنج حائل اللون، يحتضن بين ذراعيه مكتباً من الصباح تكوم فوقه قنفذ أصابه الإعياء يلعق جراحه ونقاط الدم المتكورة على نهايات جسده ألإبري، وهو لا يني ينظر نحو الأفعوان الممدد على السرير ويختض جسده بعنف، له رأس متعب يماثل رأس الأفعوان في كل شيء… وفي الصورة المتكسرة الزجاج المعلقة فوق الثلاجة الصغيرة جلست تلك العروس الغضة تذرف دموعاً ثاوية من عينين أقتحمهما التغضن والانتفاخ والسواد، انساحت تشق لها مجرى بصعوبة على الخدين المتغضنين المكتسيين بزغبٍ اسود ناعم، وفم تهدّل جانباه بفعل الزمن.

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد 2083 : السبت 7 / 04 / 2012)

        

في نصوص اليوم