نصوص أدبية

ثغر العراق / مسلم السرداح

وقف ضابط التوجيه السياسي كبير الرتبة ، القادم من ماخور بعثي . وراح يسب البصرة التي قال انه لا يحبها والتي بسببها جاء إلى هنا .

انتصبت البصرة المعفرة بدمائها مبتسمة ، متماسكة ، مع جرحها النازف حين سمعتْ قرقرة بطن الضابط الكبير ، ثم انحنت بثغرها ، تقبل جبين العراق .

انتفض جندي شجاع سمع نعيب بوم اسود صارخا :

- " ولكن ما ذنب البصرة وهي ابتليت بالحرب ؟".

امر الضابط بنقل الجندي الى الخطوط الأمامية للجبهة . قال :

- لانه يسب الرئيس . ولكي يموت هناك . لان لامكان للجنون ، في ظل قانون طوارئ يكره الشجعان .

 

عراقي حتى في الموت

 

مباشرة بعد موته ، ولانه لم يذق يوما طعما للسعادة والراحة في حياته ، ومن حسن حظه ، فقد اعتبروا حياته تلك تحصيل حاصل لقضاء عقوبة ما يسمى "عذاب البرزخ " فذهبوا به الى الجنة ، مباشرة ، و قالوا له :

-     تستحق الجنة ، تعويضا لك عن حياتك التي ضاعت بين الفقر والحروب ، في ليل الدكتاتورية الطويل .

لكنه وبسبب الاحباط و ما تعرض له في حياته من ركض طويل ، لم يكد يطمئن ، بل ولم يصدق فكرة ان العراقي الفقير ، يمكن له ان يجلس هكذا ، مرتاحا الى الابد ، في حين يقوم احدٌ بخدمته وتلبية احتياجاته .

   - وما ذنب الملائكة ان تستمر هكذا خادمة ؟ قال مع نفسه .

اضافة الى ذلك صار يهجس انها كالعادة كما في حياته ، نعمة زائلة ، ولايمكن لها ان تكون سهلة وتستمر بهذا الشكل . مع شعور بالملل صار يراوده مصحوبا بحنين مطلق الى بلاده التي لم يشبع منها حبا .

وبما ان اهل الجنة يتحقق لهم مايريدون وتجاب طلباتهم بسرعة ، بحثوا طويلا عن بلاده ، فلم يجدوه . فالبلدان انذاك لم يعد لها وجود لان الدنيا تحولت إلى جنة ونار . ولذلك لم يجد هو ، الا ان يدخل النار بارادته ، لانها تشبه بلاده ، ليتقلّى بها سعيدا وهو يتذكر الوطن ، لا ينقصه إلا فراق الأحبة .

 

ساديّة

 

غادر مرة بلاده فاستراح لانه وجد كل شيء امامه سالكا . الخمرة والنساء والسكن اللائق ببشريته ووجد الامان . وكانت كلها متربعة تحت ظلال قانون فارع يحميها .

-     فهناك لاتجد احدا يعاديك حين تكون مسالما ، فحتى الافاعي هناك تشعر بالامان طالما هي لاتؤذي احدا . وصنعوا محميات للحياة البرية .

-     بعكس بلادك التي يناصب الاطفال العداء للاشجار رغم سلامها ..... هكذا قال لي .

ومع ذلك فقد عاد .

قال الساديّ لي ، كمن يكلم نفسه :

- افتقدت هناك ، ياصديقي ، في الغربة ، تلك الذكريات الصغيرة الكبيرة التي لها علاقة بالمكان . وذلك الالم اللذيذ الذي يربطني بالاشياء .

 

جفاء .. كالعادة

 

حين زرتها اوجعني جمالها ولم يكفني منها لا العناق ولا القبل ولا الغزل ولا اللعب بشعرها ألصبحي . ووجدت ان الشِعر يخجل منها لمنافقته الطويلة ، بحقها ، وها هو ينحني ذليلا امامها. لانها حقيقة . وكل شيء اخر مهما استطال فلن يطالها . ولكني حين نمت في احضان ليلها ، حلمت بالشبق اليها يقتلني ، ولكي ارتوي احتضنت عمري كله وانصهرت في ذرة من طينها ، بغداد ، ثم القيت بنفسي في مياه دجلة .

ولكنه ، لفظني ، كالعادة ، مع تعرجاته الحادة ، وهو يمضي نحو الخليج العربي   .

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2086 الثلاثاء 10 / 04 / 2012)

 

 

 

في نصوص اليوم