نصوص أدبية

أجهش الغيابُ بالبُكاء / ياسمينة حسيبي

..ثم ألتفتُ حولي، فلا أرى أحدًا !!!

تلك هي لعبة الحب المفضّلة ...
وأنت كطِفلٍ صغير تنساق وراءه .. تظهر وتختفي في المرآة بشقاوةٍ ثمّ تسْحَـبُني من روحي.

أنظُـر الى قارورة العطرالجميلة بجانب زينتي، إنها كل ما تبقى لي منكَ ...
سألتني يوم أَهْدَيْتَنـِيهَـا :
-
أي عِـطر تُـفَضلين ؟
فأجبتكـ بكل الدّهشة :
-
وهل عطر أنفاسكَ يباع في محلات العطور؟

(كنتُ امرأة تُتْقِنُ ارتداءَ الحيرة وعلاماتِ الاستفهام)

ومُــذْ رحيلــــك ...
وأنا أخربشُ الهواء بأظافري وأذرعُ مسام جلدي جيئة وذهابا أبحث عن بقايا عطر أنفاسكَ ...
أشتم فساتين روحي وأفتح أدراجَ دمي خمس مرات في اليوم، أكشُطها لعلنّي أحظى بـرذاذ نسيته هنا أو هناك.


جرّبتُ أن أُحرقَ أعوادَ البخور في ضلوعي لعلّني أستحضر عطر أنفاسك لكن الأريج كان ينبعثُ من ضلوعي حريقا ودخانا : عطر أنفاسك معادلة كيميائية نادرة ...

كنت كلّما هممتُ بالدخولِ الى نفسي، أتعثرُ بظلك، فأنفضُ يدي من كل شيء...
وأتفرَّغ لـــغـيــابِـكَ، أُقَـلّم أظافرهُ الطويلة...

وأعِـدّ لـهُ وجبات سريعة من لهفة بطعم العتاب.
 
في غيابك...
استدارت الارض اكثر ..
وازدحمَ بكَ دمي  حتى تختّر..! 

 

في غيابك...

أنشر ظلي البارد خارج جسدي كل مساء وأنفض روحي في مساحات الزمن ... 

 

في غيابك...

أصبح للصمت ذاكرة وللمطر ذاكرة...وتكسّر زجاج روحي دون أن يُحدِث ضجيجا...  
أقضي الوقت في ترتيب أنفاسي بصدري...
وأمسح الغبار عن أحلامي مرة في الأسبوع ثم أعيدها فوق الرف ..
 
في غيابك...
تعلمتُ ان أسْتوقِـفني عند إشاراتِ مروركَ ببالي وأن أُلجم خيول الشوق الصاهلة في دمي..

وقد أضعـف....
فاندفع كموجة قليلة الصبر نحو بحرك العاتي حتى أُصابَ بالدوار، حينها فقط.. أسندَ ظلّي إليّ ونجْهش أنا والغياب بنوبة بكاء طويلة !!
 
ايها الأبدي في كينونتي وذاكرة جسدي،

ما زلتُ مولعة بارتداء حضنكَ ...ومصابة بكَ في دمي...

أَنتظركَ خلفَ وجهي وجيوبي مكدّسةٌ باللهفة...

ما زلتُ أشدّ خصلة الحلم -كل ليلة- لعطر انفاسكَ...حتى أدمنتُ الإختلاء بكَ في الحلم فعظُمتْ ذُنوبي !!


ياسمينة حسيبي

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2090 السبت 14 / 04 / 2012)


في نصوص اليوم