نصوص أدبية

نحج الديوانية كي نلتقي / حامد فاضل

 

 

أغادرتنا؟

أم ما تزال تمازحنا؟

فالشك في غيابك عنا مريب

أفتنا

كي نقر بذلك

أو ائتنا بدليل

كي نصدق أنك فارقتنا

فأنى مضينا

التقيناك

وأنى التقينا

ذكرناك

وأنى استمعنا الى الشعر يُلقى

سمعناك

يقيناً ستأتي إلينا ذات مساء

لتسمعنا وتسمع منا

أو لعلك تجلس بيننا الآن

تقاسمنا أرغفة الشعر

أيها الفقير بالمال حتى النخاع

أيها الغني بالشعر حتى النخاع

أيها الزاهدالذي يكتفي

بكسرة خبز وشربة ماء

كم من الضمائر ماتت

إلا ضميرك

كم من الخطى انحرفت

إلا خطاك

كم من الوجوه تبدلت

إلا وجهك

فأنت لا تجيد لعبة الأقنعة

ولا تعرف كيف تلف اللثام

ولا تثقل رأسك بالقبعة

وكنت تسخر من رؤوس الذين

يعتمرون بما يُخفي عش الشياطين

وكنت حراً

فلا قيد للتقاليد في معصميك

وكنت صريحاً

فقلبك ينطق في شفتيك

وكنت طليقاً

فما اختلفت الى مسجد

ولم تطل لحية

ولا أمسكت مسبحة

ولا حملت النذور بين يديك

وكنت جريئاً

فلم تحتس الخمر في ظلال العباءات

أو الغرف المعتمة

وما تواريت خلف البروج المشيدة

على أضلع الفقراء

ولم تمارس الجنس في مقبرة

ولم تخف في كمك ما تخجل منه

وكنت تطلق أسرارك كالقبرات

ولأنك تنساب مثل الفرات

أقاموا عليك السدود

******

 

أيها المهندس الذي لم يمارس الهندسة

في زمن تناسل فيه غير ذوي الاختصاص

كنت هندست كيف تحيا

ورسمت خارطة للخلاص

يا أبن حنتوش

/ أنا / أنت / والآخرين

من ثلة المبدعين

نحن الذين أردنا أن نكون

كما أراد لنا خالقنا أن نكون

لا كما أرادوا لنا أن نكون

كيف يغيبنا الموت؟!

وأخوتنا الذين سبقونا إليه هم الخالدون

نحن لا نرتضي العيش كالمتخمين

الذين يقضون نصف أعمارهم نائمين

وبنصفها الآخر يتناسلون

نحن لسنا قضيبا

ولسنا بطون

كما لا  نموت ميتة العابرين

الذين لم يتركوا أثراً بعدهم

كيف ارتحلت؟!

وأصبع الشعر ما يزال يشير إليك

والدفء في كل ركن كنت ترتاده يدل عليك

وشمس الديوانية تشرق في مقلتيك

وقمر الديوانية يسعى بين يديك

أيها الشاعر الذي ينشد الشعر للناس

في المقاهي والطرقات

فلا متاريس ولا منصات

بين شعرك والسامعين

******

 

إن الديوانية ما تزال منتظرة

لعل روحك الطاهرة

تجئ لتنشد الشعر

للنهر والجسر والمكتبة

وحبيبتك الشاعرة

حين يأتي المساء

تفتح نافذة الشعر

وتطلق منها طيور القصائد نحو السماء

وترنو اليها

لعلك تتجلى لها قمراً

يلقي القصائد في أمسيات النجوم

قصائدك التي ما تزال طازجة في الجرائد

وتمسح عن عينها دمعة حائرة

لتزرع فوق شفتيها ابتسامة

ونحن الذين كنت تنشدنا

تمازحنا

تناكدنا

ما نزال نطمح أن تسمعنا

آخر ما كتبت من قصائد في الآخرة

فليس من العدل أن لا تكون هناك

كما كنت ها هنا شاعرا

يا صديقي

كم  سخرت من الموت

فكيف تسنى له أن يجيء إليك

ويلقي بثقل التراب على كتفيك

ولما تزل في ريعان العطاء

أيها الشاعر العبقري البسيط

نحن ثلة المبدعين

كل عام

نحج الديوانية كي نلتقيك

 

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2097 السبت  21 / 04 / 2012)

في نصوص اليوم