نصوص أدبية

خنازير الأيام / جمال حافظ واعي


وكانت الخنازير ملقنة لكم.

خنازير عند الأبواب والمداخل والمفترقات تبصم على الأجساد
وتضع جمرة على كل لسان لتصبح لغته أكثر وضوحا.

الملوك يلوّحون بصولجاناتهم المصنوعة من عظام الخنازير
فتعمّد رائحتها أيام الرعية.

المنابر عندنا لها هيئة الخنازير،
كلما سهوتُ عن نفسي أجد خنزيرا يذكرني بها.

ليس خيارا ذلك الذي يكون فيه الخنزير دليلك
ولكنه زمن الخنازير الأدلاّء.

كلما رسمتُ خنزيرا على واجهة الأيام قال لي:
لقد أضفتَ لي الكثير من ملامحك.

الخنازير تستمع إلى نشرات الأخبار
وعندما لا تعجبها النشرة تمسخ المذيع بشرا.

في المكتبة رأيتُ الخنزير يقرأ كتابا وكان عنوانه: ذبح الخنازير على وفق الشريعة الإسلامية.
في اليوم التالي حاولتُ أن استعير الكتاب فقال لي الموظف: هل لديك ما يثبت انك بشر.

على الطرف الآخر من الموبايل قال لي الخنزير: لماذا لا ترد على مكالماتي؟
قلت: ولكنني لا أعرفك.
قال: سأرسل لك صورتنا المشتركة في حظيرة الأيام..

قال لي خنزير مُسنْ: لكل زمن دولة وخنازير.
وعندما حاولتُ أن أصحح له المعلومة
قال: مازلتَ تقرأ التاريخ بالمقلوب.

التاريخ الذي يخلو من المسوخ تمسخه الخنازير.

الخنازير تعيد الأدوار على مسرح المدينة القديم قائلة: لابد للجمهور
من ملقنين لا يشبهونهم.

عكازات تتبادل خنازيرها وهي تتجول في الثكنات لتهش على كل من خذله عَوَقه.

ليس للخنزير أثر على الأرض، وجوهنا آثاره.

الخنازير تبحث عن ذكرياتها في ألبوماتنا.

اعرف انه نصك أو خنزيرك لا فرق، فلماذا تطلقه علينا بهذه العدوانية التي لا شبيه لها؟

كلما أفرط احدهم في الحديث عن الإنسانية من على منبره فلابد ان خنزيرا يلقنه،
لقد حفظنا هذا الدرس جيدا بل حتى الخنازير أخذت تخجل من دور الملقن هذا.

مادام الخنزير يحتل وجهَي العملة فعلينا أن نربي الخنازير الصغيرة في بيوتنا
ليصبحوا قدوة لأبنائنا في المستقبل.

المستمسكات الرسمية التي تخلو من تواقيع الخنزير لا يعتد بها منذ أن أصبح تاريخنا
أفواجا متقدمة من العسكرة إلى الخنزرة.

الناس على دين خنازيرها، والخنازير لا دين لها، لذلك لابد من وجود فقهاء جاهزين
يلفقون لنا آية الطهارة التي نزلت بحقها ونسخت الآيات الأخرى.

خنازير تنبش المقابر بحثا عن أشباهها التي اختلطت على المؤرخين.

الخنازير ابتكرت المصطلحات لترقيع ما عجز عنه القول واختزلت الأسئلة فيها، تلك هي حدود التعاليم الخنزيرية ولا ينبغي الاجتراء عليها.

ثمة ملصقات تملأ الشوارع تقول: ان هناك مؤتمرا للخنازير لمواجهة الآفات التي تفتك بالبشر من أجل تخفيف حدة الظلام الذي يجعلهم لا يميزون بين قتلاهم.

الأبعاد متشابهة على خرائط الخنازير، ولذا لا خوف علينا من أي مغول قادمين.

الفجر يفرك عيونه ليتأكد ان الخنازير تراه.

ما لا يمكن التنبؤ به تتنبأ به الخنازير وتدق النواقيس قبل وقوعه وإذا لم يقع
تحشر الكثير في اسطبلاتها بتهمة المؤامرة.

قال الحكواتي الأبله: كان ياما كان في قديم الزمان.
فقاطعوه قائلين: إياك أن تسمع الخنازير بذلك
وعليك ان تقول في البدء كانت الخنازير ثم كنا بعدها.

لن أسطو على خنزيرك فيّ وهو يقذف نرد الأيام على طاولة حياتي.

الحرية لقاح فاسد الصلاحية كما تقول بيانات الخنازير.

الخنازير تقود الأثر التائه إلى نفسه وتحثه على أن يكتب اسما ضد اسمه لتمويه الرياح.

التاريخ المتشابه خنزير يستنسخ دوره.

أصدقائي الذين استعاروا مرايا الخنازير عثروا على وجوهم المفقودة فيها،
تلك الوجوه التي تدخلهم إلى الحظائر بدون كلمة السر.

ضجيج الخنازير هو التسمية الأخرى لحوارات المائدة المستديرة.

خنازير لا لون لها تتسلق قوس قزح
وتتخذه برجا متقدما لمراقبة الصحراء.

كلّ الأفكار والعقائد والنظريات والسرديات الكبرى
أخلتْ مكانها تماما للخنازير حتى أصبح العالم خنزيرا مسعورا يدور حول نفسه.

خيارك خنزيري، فاختر ما شئت من الخنازير فالحياة بحاجة إلى رفقة.

عندما يخنزر فيك الخنزير فهذا يعني انك قادم من شتاته لمنافسته.

الطائفة التي تلقن أبناءها تعاليمها الخاصة تصنع منها محمية للخنازير.

ما معنى الطمأنينة ان لم تكن معمّدة بماء الخنازير؟

قال لي: ما هي علامات الساعة؟
قلت له: ان تحوم الفراشات حول الخنازير.

في اليوم السابق للأسبق منه خرج علينا خنزير كان قد مات منذ زمن وكان يحمل كيسا مملوءا بعظام المؤرخين الذين نهشهم وهو في قبره.

فقه الخنازير هو تأويل لما يقذفه إليها بريد اللحظة العابرة.

الخنازير تعلمنا التأهب من اجل نسيان كل الأشياء إلاّ وقوفنا في حضرتها في حالة إنذار قصوى.

المتحف بناء فائض في عقيدة الخنازير، فهو مأوى السلالات المنقرضة
والخنازير عندنا لا تنقرض وإنما هي أجيال متحولة عن بعضها البعض.

ليس للعبارة ما يشابهها إلاّ إذا استنفرتْ يقظة الخنزير.

عندما تزوغ أبصار الخلائق فذلك لأن الخنزير رأى رؤيا.

كلما انفتح قوس في لغة ما تضاعفتْ أعداد الخنازير، وكلما انغلق هذا القوس أصبحت الحياة حكاية يرويها خنزير.

لم أكن اعلم انني حين اتخذتك صديقا انما اتخذت الخنزير رقيبا عليّ وتلك هي ضريبة البراءة.

الخنزير علمني كيف ألفّ الجثة بتقنية عالية مثلما ألفّ السيكارة.

للعبارة نقيضها الذي يهرب منها حين يكون محاورك خنزيرا.

عندما تخبرك الخنازير انها تحلم بك كثيرا فاعلم بأنك ستكون حاملا لرايتها.

قلت للنقيض أين نقيضي فخرج منه خنزير يشبهني تماما وهو يلوّح لي بمنديلي.

ستكون حيرتك أوسع منك كلما تباطأتَ في اختيار خنزيرك الذي تنوب عنه وربما سيكون ندمك خنزير آخر يتلبسك.

حاولتُ أن اصف نفسي قبل أن يصفها لي الخنزير وحين تعذر الأمر عليّ قال لي إياك ونزوة العقل التي توهمك بأنك قادر على وصف نفسك في حضرة الخنزير.

التراجيديا محبرة الخنازير ومنها يتشكل الحوار الذي يرشه الملقن على ألسنة الممثلين.

المرة الوحيدة التي أمطرت علينا السماء كان هذا السيل الجارف من الخنازير، فما حاجة شيوخنا إلى دعاء الاستسقاء وفي عبّ كل واحد منهم خنزير صغير يتحين لحظة انطلاقه.

الخنازير لا تحتاج إلى صافرة للبداية فكل البدايات عندها متشابهة، البشر وحدهم يحتاجون إلى صافرة، هي ليست صافرة البداية بالتأكيد، وإنما لإيقاظهم من سباتهم.

الحكمة التي علمني إياها الخنزير هي ان لا اصف الأشياء وليست مهمتي ان أعيد تأثيثها كما كانت وإنما انقلها إلى منطقة أخرى من الوهم الذي كانته.

قال لي الخنزير ساخرا: ما جدوى ان تمتلك حواسك وهي تتجسس على بعضها البعض؟

وقال أيضا: لا يوجد سياسي في الكون لم يذق خبزنا وملحنا، لكن جسده تمثلها سموما يزقَها إليكم عبر منابره!

السماء تحتاجنا كما يقول الخنزير لتثبيت راياتها المنكّسة.

لا حدود لدولة الخنازير والعابر فيها كالمقيم والمتحول كالماكث، بواباتها تشبه مداخل الطوارئ والقادم إليها يصبح بمنأى من كل ملاحقة، والغريب الذي يموت فيها تُهدى جثته لزواحف الصحراء.

كانت ظهيرة ساخنة عندما شتمتُ الخنزير الأكبر فهجمتْ عليّ حيوانات لم أكن رأيتها من قبل، كانت بشرا محورين بهيئات شتى:
فمنهم من أخرج قرنيه من مؤخرته ولصقهما على رأسه.
ومنهم من اخرج ذيلا شبيها بذيل تمساح عملاق.
ومنهم من حفر الأرض فأستلّ عدته القتالية من المخالب والأنياب المعقوفة.
وعندما أدركتُ ان الهجوم على وشك البدء والنهاية قادمة لا محالة كتبتُ وصيتي ثم ألصقتها على ظهر كائن من الكائنات المحوّرة وكان منهمكا بالبحث عن أداة استثنائية للفتك..
وبعد مضي زمن على موتي وكلما مرّ أحدهم من أمام قبري اسمعه يقرأ الوصية فعلمتُ انهم وضعوها على شاهدة قبري وفاء لروح المواطنة التي نذروا أنفسهم من أجلها!

في العام العائم في التقويم الخنزيري هبط علينا خنزير بجناحين سرقهما من ذبابة نائمة في مقبرة، وقبل أن يبلّغ لنا رسالته قام برسم وجوهنا على هذين الجناحين لتشهد له فيما بعد بأنه ليس لصا، ومنذ ذلك التقويم ازدحم الوطن بالخنازير المبشرين والمنذرين تطاردهم أسراب الذباب.

اليوم احتفلت الخنازير بإطلاق بالونات الحرية من مؤخراتها.

 

استراليا

 

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2100 الثلاثاء  24 / 04 / 2012)

في نصوص اليوم