نصوص أدبية

مشفـّرةً... كانت الأبوابُ / ذياب شاهين

فأدورُ

في شَوارعِ المَدينةِ

أعْمىً

كأتانٍ يَسْحَبُ ناعورا

أَطْرقُ الأبْوابَ

بابا إثرَ بابٍ

أطْرُقـُها

لا أحدَ يَسْمَعُني

لا أرى سوى

أجداثٍ تلهثُ مُبَرمَجَةً

إلى أقدارِها

ليسَ هنالك

سِوى عَبيدٍ

مُصفّدي الأقدام

تَشُدُّهم سَلاسِلٌ

من الصُكوكِ

والقُروضِ

الطريقُ جميلٌ

من المَصارفَ

إلى السُجون

وفأرةُ الحاسوبِ

تَقرُضُ احمِرارَ وَجْهي

وتُكْسيني اصفِرارَ

القُيودِ

فإلى أين؟

يَسحبُني قَيدي

يَداي تَرتَعِشان

قَدماي تَتَعثران

أيْقونَةُ الجَمالِ

مُتَرَجْرِجةٌ

لا حَقيقةَ لها

إلإّ في أعيُنِ

منْ يَبْصِرونَها

وعَرَقُ الفَضيلةِ

لا يَجلبُ

كأسَ البُطولات

فأقومُ واهناً

كما يَقومُ رَصيفٌ

عَلى شَفةِ الشارعِ

ما

أقبحَ البناياتِ العاليةِ

حينَ يسكنُها

اللصُّ والعبيدُ

كم وددتُ

لو تسمعينَ غنائي

فغنائي بكاءٌ

وصوتيَ

نهرٌ جامحٌ

يتلوى

في الوديان

كما تتلوى أفعىً

على الرمالِ

أصيحُ

أيّتُها الأبوابُ

أجيبيني

يموتُ صوتي

في الخلاءِ

كما يموتُ

على قارعةِ الطريقِ

صوتُ رضيعٍ

نبذته أمُه فجرا

خوفَ العار

رسمتُ حولي دائرةً

كرجلٍ صالحٍ

يودُّ حمايةَ

من بداخلها

أسريتُ وحيدا

لأحدّثَ نجمَ الليل

وأقبـّلَ عشتارَ

وكنتُ أتلفتُ

كصيّادِ

أبحثُ عن ريمٍ

يدركني

لا أحدَ

في هذا الغاب

سوى أعينِ الكاميرات

وموسيقى

تصخبُ في رأسي

ترى

هل تتجسسُ عليَّ

الكاميراتُ؟

رأيتكِ عاريةُ

في قبّة السماء

وددتُ لو حملتـُكِ

بأصابعي

لكنّ أصابعي

كانتْ تذوبُ

كالشموعِ

وأوردتي تهتز

كما تهتز أجسادُ

الراقصاتِ

في نادٍ ليلي

يا... لقلبي الطعين

مثل جحيمٍ تتقاتلُ

فيه

صخراتٌ ملتهباتٌ

وحناياي تكادُ تضيءُ

إلا أن الدجنّةَ

كافرةٌ

الريحُ تبتلعُ لهاثي

كما يبتلعُ الرملُ

مطرَ الغيمات

تتقافزطـَرَقاتي

خلفَ الأبوابِ

كما تتقافزُ

النساءُ شبهَ عارياتٍ

في عزاءِ الحبيب

ونباحٌ يصلُّ في

الظلمةِ

كصليلِ الأحجارِ

يجرفُها التيّارُ

في قاعِ النهر

أقبورٌ

خلف الأبوابِ

أم أنّ مدينتنا

صمّاءَ..؟

يتُها الأبوابُ

بالله ِعليك أجيبي

أراكِ صامتةً

تهتزين

كاهتزازِ خيطٍ

مشدودٍ بين حلمتين

اليأسُ

يورقُ عقاربَ

في روحي

وصلالُ الألمِ

تلدغُ قلبي

صبحَ مساء

أماتت المدينةُ

وبقيتُ شريدا

في شوارعِها

أم أنني أصمٌّ

في مدينة خرساء..؟

يتُها الأبوابُ

اِفتحي للغريبِ بابا

دونك روحٌ

متربةُ الشفتين

وأقفالك قد صدئتْ

في أيِّ الآبار

سقطتْ مفاتيحُك

ثملاً أعدو

في هذا الغاب

أسَحَرَتْني الجنيّاتُ

أم غولاتُ الشيطان..؟

أتُراني

فَحيحاً أسمعُ

أم نشيجَ رياح..؟

يتُها الأبوابُ

في

أيِّ ركنٍ تَصْطَفقين

صَوتُ رتاجِك يجّرحُ

أذنيّ

يخترقُ رئتيّ

الستائرُ الباكيةُ تبتلعُ

لُهاثي

كما يَبْتـَلعُ الليلُ

سَكاكينَ الهُبوبِ

والمَدينةُ المُحْتَشِمةُ

ليلا تتعرى

يـَتـْفلُ على فَرجِها

السِكّيرون

وجامِعو القُمامةِ

وقوّادوها

يَضَعون الريشَ

على قبّعاتِهم

ليَجلبوا المَزيدَ

من الزَبائنَ

لبَغاياهم

لكنّي أقِفُ عاريا

في قِفارٍ مُلوّنَةٍ موحِشةٍ

فَتصْليني

السَماءُ بِرِعودِها

تَسَفُّ عليّ

دُموعَها

تَذرِفُ أساها

على حَريرِ أشْجاني

لا حَقيقةَ خلفَ

أسايَ

سوى أحلامٍ داكنات

ولا صَفيرَ

سِوى صَفيرِ

قـُلوبٍ مُتـَقرِّحَةٍ

يا إلهي

المُعادلاتُ الحِسابيةُ

تَسْخَرُ مِن دَمي

العَتَباتُ تَحوطُها الأشْواكُ

والأبْوابُ تَقودُني

إلى أبْواب

الجُدْرانُ تَقودُني

إلى جُدُرانٍ تَسْكُنها

الوِطاويطُ

أحْلامي مُسيَّجةٌ

بالقُمامَةِ وخُيوطُ العَنْكبوت

والمَعادنُ تـَلطَعُها الكِلابُ

تُخيفُني

الجُدرانُ العاليةُ

رُخامُها يَكسِرُ الضوءَ

كما يكسرُ

البحرُ صُراخَ المَراكبَ

ياه

يتُها المَدينةُ الخاويةُ

هاتي كؤوسَك الزُعاف

لأشْرَبَها

لعـلّ باباً

تـُفْتحُ لي

مَحْضَ بابٍ

تـقودُني إلى

غابةٍ

مُزْدَحمةٍ بالأصوات

ولكنْ أنّى

تـُفتحُ أبْوابٌ

مشفّراتٌ

 

أنّى

أبو ظبي

‏الثلاثاء‏، 29‏ آذار‏، 2011

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2103 الجمعة  27 / 04 / 2012)


في نصوص اليوم