نصوص أدبية
طائر الزاب / طلال عبد الرحمن
لكنها من الحوادث التي اثرت في مشوار حياتي فيما بعد ولا زلت أعيش تداعياتها لحد اليوم، ولا أدري بالضبط لماذا.
عندما كنت صغيراً
كان للزّاب ِطيورْ
ريشها أجعدُ من أمواجهِ
لونهُا من لونهِ
بعضُهم قال قطا ، لكنها ليست قطا
فالقطا مكتحلُ العينين دوما ً
وعلى الجيد قلادة ْ
لونُه لونُ حقول ِالقمحِفي تموز، لونُ البادية ْ
يرِدِ الزابَ صباحا ً ومساءْ
وطيورُ الزاب تلكْ
ريشُها لونُ حصى الزاب ِالذي
لم يزل يأسرني من نصف قرن أو يزيد
لونُ حلفاء ٍوطرفاءٍ ودَيرمْ
لون أزوارِ ٍوغاباتٍ .. بساتين ٍ وأجراف ٍوطمي ٍوعروقْ
وطيور الزاب كانت مثل كورال ٍعظيمْ
تملأ الغاباتِ شدواً وصداحاً
في غروبٍ و شروقْ
رجعُها يسمع في الأجرافِ والأزوار حتى ملتقى الزابِ بدجلةْ...
حيث ربُّ الخلقِ ِقد سطرّ جملة!ْ
ذات يوم ٍ...
ذات صيف ٍ ...
ذات صدفة!ْ
صدتُ طيراً من طيور الزاب تلكْ.
كنت قد أسقطتهُ وهو يطيرْ ...
لم يقاوم حينما أمسكته بين يديّ ...
كان مكسورَ الجناحْ.
لم يكن طيراً جميلاً ..
كان من عالم ِما بعد الجمالْ!!
ريشهُ من كل لون ٍ ...
وبعينيه بريقْ.
وعلى هامتهِ نقشٌ وفي منقارهِ شبه ُكتابة!ْ
قال شيخ ٌطاعن ٌفي السن من قريتنا ...
ليس في ديرتِنا طير كهذا!
إن هذا الطيرَ من أرض ٍغريبة!ْ
كبّرت والدتي حين رأته ُ ... وبكت حزناً وقالت ...
إن هذا الطيرَ من آياتهِ سبحانه ُ...
ربما كان ملاكْ!
خذه للزابِ على الفورِ وأطلقهُ هناكْ!
رحت أجري
وأنا أسندهُ للقلب لكنْ ...
فجأة أغمض عينيه ودلىّ رأسَهُ كالخيطِ من بين يديّْ ْ
بعد أن أطلق شهقة ْ
زلزلت كل كياني
واستقرت في الصميمْ
لم أجد أطهرَ من طمي ٍعلى الزابِ لكي أدفنهُ فيهِ ... ولكنْ
لم أكن أعلم أني طيّ روحي قد دفنته.ْ
طيّ وجداني وعمري!
ها أنا من ذلك اليوم إلىاليوم ِ ولم أشبعْ من الحزن ِعليهْ
حيثما وجهتُ وجهي لاح لي
كلما أبصرتُ نهراً أو شجرْ
كلما لاح أمامي وجهُ أمي
كلما أبصرت ُطفلاً أو قمرْ
فمتى تعتقني يا طائرَ الزاب متى؟؟
فأنا آخرُ مسجون ٍبهذا الكون ِلم يُطلقْ سراحُُهْ
ومتى أرتاح من حزني عليكْ
كنت أطلقتكَ ... لولا ..........
فمتى تطلقني يا طيرُ من بين ِيديكْ؟
تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف
............................
الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2112 الأحد 06 / 05 / 2012)