نصوص أدبية

الوقت خارج الزمان / بن يونس ماجن

الوقت حيوان مفترس .. والصمت جدار حديدي سميك مهيمن.. يقبع في بحبوحة الأجواء..وكم من مرة حاولت أن أخرق هذا الصمت لكن بدون جدوى..ربما سأعاود الكرة بعد الكرة..وتكثف من حولي الجو.. وأصبحت لا أطيق وجوده ..أستغيت وأصرخ : أبعدوه عني خلصوني من هذا الأخطبوط  المتسكع  في خلوتي..أريحوني.. وأتوسل وأدعو.. فمن يستجيب..؟؟

هذا الوقت، هذا الجبار العنيد المارد اللدود..

سأعود الى دائرتى المفرغة

 سأعود من حيث أتيت

وأغمض عيني ..

 وفكرت مليا في العودة الى منفاي البعيد     

لكن ما يزال الصمت يخيم على وجودي الضئيل

الوقت يطاردني من جديد.. أرى سرابا يغازل أهداب الشمس..فيمطره قوس قزح بألوانه الزاهية

أما أنا فسوف تحملني غمامة شاردة الى مجمع الضباب والسحب وسأتحول في لحظة خاطفة الى مطر غزير يروي الحقول والسهول والجبال..

 

من حين لآخر أتعارك مع ساعة يدي

وأتساءل:

لماذا هذا الوقت المشاكس لا يتراجع خطوة او خطوتين الى الوراء؟

 

  أنا مازلت أفكر وأخطط للعودة المنشودة .. وبينما أنا أفتش عن الحقيقة في "معاجم " الوقت، خطرت على بالى هذه النظرية  البيولوجية  أيهما أسرع الوقت أم السلحفاة؟

 

كنت أتصور أن الوقت في ساعة الذروة  دوما ينفلت في عجالة فارطة

لكن ما أتعس الوقت ..تشيخ فيه الأعمار وتضمحل في ظله الذكريات وتتضاءل الأحلام

 

ما أعرفه عن الوقت انه، عندما كنت طفلا صغيرا كانت لي معه صداقة حميمة  يصطحبني اينما كنت ويرعى نموي أينما وجدت وأينما رحلت..وكانت دقائق ساعاته لا تبرحني

 

طبعا كلنا نجهل ما يكنه لنا الوقت، لكن هذا الوقت الذي أتحدث عنه ليس كالأوقات المعروفة عند الناس، انه ظاهرة غريبة لا ينتمي الى الحاضر ولا المستقبل وليست له أي علاقة بترتيب الأيام

انه مسمار لزج معلق في الهواء

انه شبح بهلواني ينفث الليزر من ساعة رملية  تطحن الاعوام الطويلة

الوقت كالزئبق من الصعب ضبطه

 

وحده الوقت يمشي على أصابعه لكي يحرث المدارات المتعبة

تضيق به الساعة  فينضم الى سنوات التيه

على حافة العمر يحتفل بنهايته

وفي انتظار الساعة الصفر

يكون بعد هنيهة قد ارتوى  بنزيف المسافات الخاسرة

 

غريب هذا الوقت..غريبة هذه الدقائق..غريبة هذه الساعة

لست أدري هل الوقت هو الملل أم الضجر هو الوقت نفسه

ولا أدري بأية قطيفة ينسج الوقت عباءته

في ازدحام الوقت تتناسل الثواني ويتثاءب الزمان

 

لم أعد أتوفر على  تلك السويعات الأخيرة من الظل السخي   

أقاتل من أجل اعادة عقارب الزمان الضائع الى أهله

في هذه اللحظة الحاسمة

انا الان مصاب بفقدان الذاكرة

وصرت أتناسخ في حقبة من الدهر

ثم قتلت الوقت الذي أهمل عقارب الساعة المحبطة

ودفنته في شتات الايام الهاربة

 

بن يونس ماجن

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2118 السبت  12 / 05 / 2012)

في نصوص اليوم