نصوص أدبية

نزلْتَ وحْلاً وحللتَ قحْلا / جواد كاظم غلوم

مادّاً عنقَك فضولاً

حاملاً زفراتِك الحرّى

رافعاً خيمتَك المهلهلة الوسِخة

واضعاً ظِلَّك الثقيل وسط دارتي

تعجّلتَ الحضور

فذا اليومُ ليس يوم نحسي

كنتُ أتفجّرُ فرحا

منتشياً بقصيدةٍ اصطدتُها توّاً

وسط أسراب القوافي الهائمة فيَّ

أراك تخبئ ضحكاتي في أقبيةٍ مظلمة!

وتُظهر شجني كمرايا أوجعها الشرَخ

أيّها السأم الزائر الثقيل الظِّل

لِمَ تعثرْ رِجلاك بعتبة شيخوختي!!؟

تزيدُ من أنقاض وجعي

إن أردتَ زيارتي

أطرق الباب بتوئدة

واسترق النظر يمنة ويسرة

ترقّب الريح هنا وهناك

خشيةً أن تراك مندسّا

 بين ثقوب الديدان

وشِباك العناكب

فيشتدّ هبوبها ويعلو صفيرها غضباً

ولتكن السماء غبراء مكفهرّة

والهلال ضائعا في أقاويل حلول الأعياد

وتآويل دعاة الباحثين ...

عن أيام السعْد

كن وديعا هادئا كالذكريات النائمة

لاتقف كالطود الراسخ قبالتي

هازئا بوحدتي وشرودي

أدري بأني فقدتُ ظِلِّي

ورفيقي التوأم

في الليالي الحالكة السّواد

حين أغضبْتُ الشمس

ولم تعدْ تزورني

وتشرقُ لي بدفئِها وابتسامتها المعهودة

ليس لي سوى خيالٍ جانح

يأخذني بعيدا... بعيدا

إلى ملاعب صباي

حيث وجه حبيبتي يترقب وقْع أقدامي

وننسلّ معا إلى شقاوات الفتوة

نتدفق مع ميعة الصِّبا

نتبادل القبلات

يحفُّ بنا قطيعٌ من الهمسات

تتناجى بين شفاهنا

وفي أوّل المساء

ننزوي في الحدائق المعتمة

تفتحُ أبوابها للعشاق شاحذي الأرصفة

ومتأبطي الصحف والكتب الصفر

تضللهم من اللصوص الرقباء

ذوي العيون الفاضحة الوقحة

ندسُّ أجسادنا في زحام الأشجار

وتشابك الغصون في جسدينا

نغيب في المعاصي والآثام

نفترشُ عشب الخطايا

نكبو معاً في الموبقات

حتى يأذن لنا الظلام بالرحيل

**********

تمهّل أيها السأم

اعبث بي كما يحلو لك

اعتصر حشاشة قلبي

أهطلْ مدامعي

تشفَّ بي ملِيّا

أمرغني في أحزانك وأوحالك

قطِّعْ أوصالي إرباً إربا

مزِّقْني في منافيك

خذْ كلّ نفائسي وما ملكت يدي

اجعلني قفراً ، أو نسيا منسيا

وإيّاك إيّاك أن تقرب جناحيَّ

فهما طائري إلى من أحبّ

 قوادمي وخوافِييّ إلى السماء

رِكابي الذي يسند قدميّ

حين أعتلي صهوتي

قاربي الذي يعبر بي

إلى الضفاف الخضر

قِوامي الذي أبرز فيه

أمام حاسدي وغريمي

أيها السأم

لاتطِل المكوث طويلا

فزادي في صُرّتي أوشك على النفاد

وقِرْبتي خرمها صدأ العمر

لاشيء عندي سوى بلَلٍ ضئيل

أمسحُ فيه شفتيّ

وكسْرة خبزٍ ألوكها بِريقي اليابس

أغمسّها بما تبقّى لي من عافيةٍ

أوشكتْ أن تغادرني

لُمَّ ذهولك وشرودك

مرارةَ وحشتك

خذ طفولتي وصِباي

عنفوان شبابي

صبْوتي العارمة

ودعْ لي هزيع عمري الأخير

يسامرني في خلوتي

يُمْلي عليّ غصص الغائبين

وحسرات المحبين

في المدن النائية

والتخوم البعيدة المنال

يغنّي لي مواويل النأي

تطحنُ أمانييّ العريضة

يحكي لي حكايا الهجْر

يسردها حرفاً حرفا

ونقطةً نقطة

فأنعس كالطفل الوسنان

تعانقني هدهدة الغفوة :

" ياعِلِّتيْ ابْكُبُرْ بغداد

احْ?يتها شاعتْ بالبلادْ

اسْكتِتْ عنها حرَمْت الماي والزادْ

يا وسْفِتي ضيّعْت الاولادْ

ديْره وصُفَتْ ل?لابْ واوغاد

لاولَدْ منهمْ سَيَّرْ وعادْ

بسْ الحزِنْ ?ل?لْ بِالفَّادْ " (*)

وتنتهي الحكاية

كما قصصتُها لنديمي السأم

وعدني بزيارة لاحقة قصيرة

لأروي له قصة أخرى مريرة

 

جواد كاظم غلوم

 

............................

(*) ترقيصة من الشعر الشعبي العراقي سمعتُها من زوجتي وهي تهدهد أحد أحفادها

لأجل تنويمه

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2119 الأحد  13 / 05 / 2012)

 

 

في نصوص اليوم