نصوص أدبية

ناسا تعلن عن جفاف “الغراف" / ماجدة غضبان المشلب

الى الفنان د.مصدق الحبيب ولوحته:

"قبلة ساخنة"

جميعنا نتحرك صوبها ولكن باقدام مختلفة وبخطى متفاوتة السرعة.

 

 

ناسا تعلن عن جفاف الغراف"

تكورت متخذة لها موقعا على بقعة شديدة الانحدار وانعكس وجه القمر على سطحها الصقيل منيرا مصدرا ضوضاء ضيائه عالية على غير العادة..

البرق الذي حث الخطى مقتربا منها لم يشطرها وتوقفت السيول عندها لبرهة ثم انطلقت دون ان تجرفها..خيط من الدخان هو الذي علق بها وجعلها تتململ في مكانها مهددا استقرارها.

بضعة قطرات سقطت من نصف بشري محترق..ربما قطرات ثقيلة من الدمع بين ضباب وظلام.

_هل هنالك من عينين لتفتحهما؟؟؟؟؟؟؟.

موضع في جسدها غريب الملمس كأن احد اطرافها قد بتر..بطرف اخر شبه مقطوع استطاعت ان تستشعر كتلة من دم متجمعة..و خيط الدخان يلامس انفها..

ظنت انه الصيف..رائحة شواء غريبة وفحيح يجول بينها وبين اذنيها..حفيف فزع يتناثر قربها..و بين سطحها الثقيل وما تبقى منها كان هنالك رعد اخر ومطر اخر وسماء اخرى..

زحفت كأفعى صوب رائحة الشواء..و الفحيح..

هنالك ما يحترق ويخترق السكون بوجوده..

لم يدر بخلدها ان افعى اخرى قريبة..

اليس هو من تبعها؟؟؟؟..

توقفت لثوان معدودة والفحيح يكاد ان يصدع ملمسها الصقيل الممزق الاطراف.

هل ستقدم على مجازفة اخراج صوت من داخل جوفها الصلد؟؟؟؟؟؟؟.

سؤال اثار رعبها..

هل ما زال هنالك من صوت؟؟؟؟؟.

هو الآخر مبهم تحته اوراق الشجر الذائبة تئن انينا متواصلا..انينا يشعرها بدنوه منها.

هل فقد صوته..اطرافه؟؟؟؟؟هل يستشعر المطر؟؟؟؟

هل يشم رائحة الشواء؟؟؟؟؟؟.

ظنت للحظات انها ملتصقة به وهو يجرها بشريان مفتول ينحدر بها نحو الاسفل...

رائحة شواء!!!.

رائحة شواء!!!.

و ملمسها صقيل وينحدر..

نحوه؟؟؟؟؟؟

نحو احتراق شيء ما؟؟؟؟؟؟؟؟

نحو هاوية لا تجيد رؤيتها؟؟؟؟؟

بالقرب منها تلوت احشاؤه في العراء خارج ابعاد الجسد.

البرق يعلن عنها والمطر يغسل الدم ويزيح كتل الفحم.

_ميامي؟؟؟؟؟؟؟؟

صوته بدا كزعيق بوق يتدلى من غيمة نزقة.

_ميامي؟؟؟؟؟؟؟؟

تكورت متخذة لها موقعا على بقعة شديدة الانحدار وانعكس وجه القمر على سطحها الصقيل منيرا مصدرا ضوضاء ضيائه عالية على غير العادة.

خيط من الدخان هو الذي علق بها وجعلها تتململ في مكانها مهددا استقرارها.

رائحة شواء!!.

رائحة شواء!!.

و ميامي لا تصغي الا لصوت المطر لعل خيط الدخان يذوب ومعه اثر الجسد المحترق والصوت الموثق بشدة الى حلم قديم يصرخ دون توقف:

_ميامي؟؟؟؟؟؟.

في المدرسة كانت تقف تقرأ النشيد الوطني دائما حين تناديها المعلمة:

_ماجدة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

النشيد تغير واسمها باق حتى في زنزانة الامن العامة حين تغير الى رقم لم تستطع نسيانه ومحوه.

و ملمسها كأنه الازل وزاوية التصاقها بالارض ارتفعت قليلا عن محورها.

معلمتها ذابت في حوض من الاسيد كما قالوا اثر سقوط بغداد وظهور قوائم المغيبيين.

لكنه يصر ذلك الذي تبدى تحت البرق مشوها وذائبا كلعبة اطفال مصنوعة من اللدائن ان يناديها باسم ميامي.

لا اطراف لديها لتلوح له؟؟؟؟؟..

لا حنجرة لتنكر اسمها الجديد؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟..

لا ماء يوقف احتراقه؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟..

 

المطر والبرق يصدحان بين نوافذ روحها وسجن قطعة اللدائن.

هو يقترب وهي تفعل..

المسافة تبدو ابعد مما بين العراق واستراليا

و هما يزحفان وكأن الطفولة لم تجتز مهدها او كأن العمر يكفي لطي الخارطة او محوها او الايتاء بمقص لجعل استراليا مجاورة للعراق.

في امريكا بدا الجو صحوا والبروفيسور يعد نفسه لمحاضرة.

الجثة التي غادرها ذات غروب عند الغراف لابد وان نبتت شجرة مكانها والتائهة بين استراليا والعراق هي تفاعل جيولوجي لا محالة وقطعة اللدائن مجرد نتاج فاشل لمصنع في شرق اسيا.

يبتسم شكرا لكم..انتهت محاضرة اليوم.

في التلفاز استفزه خبر غريب يعلن عن اختفاء دجلة والفرات.

اخر يعلن عن احتراق غابات استراليا من قبل محبي الحرائق.

الخبر اللافت ان كل هذا كان مصحوبا بالاعلان عن ذبح شاعرة عراقية اختطفها مجهولون لم يتم العثور على راسها بعد.

رغم ذلك غذ الخطى باتجاه مرسمه:

امرأة عارية اخرى تتلوى بين فرشاته وقماش اللوحة والزيت وبينه وبينها بليون سنة ضوئية.

_ميامي؟؟؟؟

انها على الطرف الاخر من الهاتف.

شكرا لك دكتور كان البورتريه رائعا.

شعور بالفرح ارهق حزنه..

بين حرائق استراليا واختفاء دجلة والفرات واختطاف شاعرة عراقية كانت هنالك شجرة على الغراف:

ربما اصابها الجفاف وماتت؟؟؟؟؟؟؟؟.

و الرأس..هل سيحمل الى دمشق؟؟؟؟؟؟؟.

شجرة تنمو بلا اغصان وبضجر شديد قرب امراة عارية بلا راس واللوحة الامريكية الصنع تصم اذنيها.

 

خبر في كل فضائيات العالم:

ناسا تعلن عن تخصيص اسبوع كامل للاحتفاء بجسد بروفيسور عراقي المنشأ قد تحول الى جثة من الصندل وسيحمل فيما بعد لمختبراتها لدراسة اغرب ظاهرة بشرية حصلت حتى الآن.

 

_ميامي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

_لم يكف بعد؟؟؟؟؟؟؟.

رائحة الصندل تغرق مسيرة الزحف بين خارطة العراق وخارطة استراليا.

 

خبر في كل فضائيات العالم:

الحكومة الامريكية تعلن الحداد على ارواح من تحولوا الى غابات صندل تزدحم بين لاس فيغاس ومانهاتن وكاليفورنيا.

 

_ميامي؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.

انطفأ القمر على السطح الصقيل..رائحة الشواء يختزلها العدم..و الصوت يذوب في احتراق غابات استراليا.

 

كنيسة على الحدود

هل حظيت بلحظة انقاذ يسوع فأغفلتها وهربت مفضلا هطول القادم المجهول؟؟؟؟؟؟؟؟.

كان ممدا كلوح خشبي دون مسامير ..العتمة التي طغت عل المكان لم تشعرني بالرهبة بقدر ما جعلتني بامس الحاجة الى عود ثقاب ..ربما سيتضح لي ما يصعب علي رؤيته..

كان الصليب على جبينه محفورا بآلة حادة ولم تزل قطرات الدم تتأنى في تواليها نحو ارضية كنيسة تغرق بالدم الكثيف..

لا يمكن لكاهن ان يموت من خدش في جبينه رسم على هيئة صليب؟؟؟؟

فكرت في العدو نحو القرية لطلب النجدة..لكن السفح كان منحدرا بشدة باتجاهها وانا لست الا غريبا لا انتمي لهذا المكان ولم يرني احد فيه ولا اجيد لغة قومه وربما سأتهم بقتله.

رجوت الجثة ان تنهض وانا اغسلها بدموع سخية..و اهزها بعنف..دون جدوى.

احتضنتها وجسدي يهتز كسعفة نخلة في مهب ريح وهي ترقد تحتي بسلام.

اضاء بصيص الفجر ابتسامة وجه الكاهن مغادرا اياي بهدوء.

في طريقي الى حدود الدولة المجاورة..تذكرت صحن الجبن والزيتون وزجاجة النبيذ وهيئته المشرقة.

كان يشير الي وانا اتمتم مرتعبا..وقد فهم والسكينة تغمره اني لا انتمي لمكانه ولا لزمانه..

ترى هل اتاه علم ليلتها اني سأشهد رحيله نحو الابد انا الغريب الذي لا يعلم من اين اتيت؟؟؟؟؟؟؟؟.

 

انا وخمرها فحسب

لانه استاذي لم اشأ ان اقاطعه..و اقول ان لا طاقة لي بالاصغاء اليه..

غير انه لم يكن معي البته!!.

كان عنقود العنب بين يديها يذوب..بين لوحات كفها ويقطر كشلال فتي ليصب في قارورة الخمر.

اتت على العنقود كله والقارورة لم تمتليء بعد.

تفحصت عيناي نهديها وانحدرت نحو سرتها وتساءلت هل تجتاز رغبتي الرعناء حدود جسدي لتبلغها؟؟؟

تقاطر الخمر كشبقي انا المفتون بها الذي لا ارى في خمرها وكفيها سوى دعوة ماجنة..

مددت يدي نحو عنقودها التالي واقتطفت احدى حباته فساحت بين يدي كفص من الثلج دون ان تترك قطرات من الماء عوضا عن استدارتها المثيرة؟؟. ارتعشت اصابعي.

اعدت المحاولة فاختفت حبة اخرى بين ثنايا كفي كما فعلت سابقتها.

تجرأت بيد مرتعدة وخطفت العنقود كله من بين يديها بسرعة هائلة فتلاشى كأنه الغبار.

اردت التحقق من وجود نهديها فلامست حلمتها وبدا لي ثوبها قبيحا وهو يعلن عن تكور نهد واحد لا سواه.

مسست الاخر مرعوبا فتسطح صدرها وبان كصدر صبي..

وقفت على قدمي ورجوتها ان تعانقني..

رغم صمتها وحركاتها الالية احتضنتها بهلع...و خوف ..و رهبة

قال لي الاستاذ:

كما قلت لك الدرس القادم سيكون الاخير ان لم تعالج شرودك الذي افقدني صوابي.

  للاطلاع

وانشق القمر ..!! / ماجد الغرباوي

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2121 الثلاثاء  15 / 05 / 2012)


في نصوص اليوم