نصوص أدبية

كلمات .. كلمات / مسلم السرداح

للحد الذي يستطيع المقارنة بينها . لكنه  تحاور مع صديق متزمت للغة العربية .  قائلا :

  - أجد إن العربي  يستطيع ،  ترتيب الكلمات ولو بعشوائية لتعطيه في كل مرة معنى ما .

  - وهذا يسمونه البلاغة في اللغة العربية . قال صاحبه   .

  - ولكنها بالمقابل تفقده المنطق المركّز، وهو علم التفكير الصحيح . ولا تجعل السامع يفهم ما يريد المتكلم إلا  إذا شرح له الفكرة بالمزيد المزيد من الكلمات .

 قال :

   - وهذا يسمونه، تورية .

  - ولذلك دائما وأمام عجز اللغة عن هضم الأفكار يضع العربي احتمالات شتى في حديثه . وكأنه يقول أمام الإحراج إن هذا مافهمتموه ولكني كنت اقصد ذاك . وان منطق اللغة يستوعب هذا ويرتضيه .

قال صاحبه :

-     ربما قام العربي بتطوير لغته الجميلة، ليختبيء خلفها الهاربون  من بطش الاضطهاد الفكري الطويل ؟

-     ياصديقي .. نحن ندافع عن لغتنا، بطريقة انصر أخاك العشائرية، واضعين أمامها غلالة ضد  التطور .

 

المغني

استحضر المغني، آلة عزفه . واستحضر  خياله الجامح  وراح يعزف ويغني، وهو يرى نفسه جالسا، في العيون الجميلة  . ثم راح يتساءل عن مبدع لم يضع أمام ناظريه النساء .

زوجة المغني تربصت للكلمة الأخيرة  " النساء "، من خلف المسرح. أرادت  إخراجهن من عيني المغني قسرا . ثم قامت بجرح قيثارته ، محتجة إلى أن تلك خيانة  ..

 مات المغني بعد أن  بقي طويلا بلا قلب .

قبل أن يموت تمنى لزوجته، لو إنها  تتفهم  إن ليس في الأمر من خيانة .

 

حلم

رآها فيما يرى النائم . وراح منقضا على يديها ورأسها وجبينها بالقبل طالبا المغفرة منها . ليكتشف إنها لم تكن أمه ولم تكن يوما قد أحبته . ولكنه اكتشف إن في سرير العقل الباطن، مكمن الرغبات النائمة، قد جلست  امرأة ادعت الحنان يوما وقد كانت متدثرة بغطاء، لم تبن منه  أسنانها .

 

اتيكيت

علموه أن يشبك يديه خلف ظهره، حين يقترب ليشم العطر،  لكي يتمتع بجمال  الوردة .

وعلموه إن الحمار، حين يقترب من الوردة، يبادر إلى أكلها .

وعلموه إن الحمير فصيلة، ليست  بشرية، تتعامل مع الورود بكروشها .

وعلموه ، بيت القصيد، إن المرأة الرائعة  هي  الوردة .

 

وطن

وطني العزيز :

رغم قسوتك َالمفرطة . ورغم تعاليكَ . وكل محاولاتك َخلق الأعذار عن أخطائك بحقي . إلا اني لا أجد – كمن اسقط بيده – إلا أن اغفر لك َ أخطاءك حين كنت أنت حليفا للزمان،  ضد مشاعري . نعم سأغفر لك الجراح التي سببتها لقلبي . ولكن ليس من كل قلبي .

 

تشبيه

أراد أن يجعل للثقوب السوداء أشباها بما يجري في سواقي قلبه . فبمجرد أن يفقد جرم سماوي صغير طاقته الداخلية حتى يتحول إلى كتلة هائلة لها جاذبية الجرم وحجم مشمشة ، طرية.

لكنه اكتشف إن قلبه  اصغر من أن يستوعب مشمشة ثقيلة إذ ستموت كل خلاياه  قبل أن يحتوي جاذبيتها  .

 

صديق

ياصديقي كم قلت لك انك حين تمضي فسوف لن تعتريك الرغبة العارمة لإزاحة الضباب المتراكم، عبر انعدام الرؤية، للعودة من اجلي . لكن ياصديقي سوف أحمل في قلبي عنك  أفكارا لها  شوق الخبز والبطيخ  والتمر البرحي الذي  قراناه معا  في زمننا الجميل ذاك .

 

استغلال ذكوري

الهرّ الذكر، يحبس الهرّة الأنثى،  في غرفة مغلّقة الأبواب، ثم يروح يمارس ضدها أبشع حماقاته . وحين تحاول ان تقول " كفى " لتدافع عن نفسها - كعادة الكائنات الحية  - يسلّط هو عليها جبروت قانونه الصارم  . ليقول بعدها :

-            حذار من إناث الهررة . إنهن ينمن بعين واحدة . وان كيدهن لعظيم .

 

صديق قديم

أخبرتُه، بالفيس بوك، إني كنت صديقه الحميم . وطلبت منه ان يراسلني، بعد غياب طويل .

فاخبرني، انه لم يعد يذكرني بعد مرور ربع قرن من نزيف ذاكرة وألم . وطلب مني ان اذكره بمزيد من الذكريات .

قلت له :

-            ولكني كنت صديقك . ولي معك ألف ذكرى وذكرى . في المدرسة والجامعة والعسكرية، والحرب .

-            إذن اخدش ذاكرتي . أو اجعلها تنزف .

-            ياصديقي كنا نحب واحدة مشتركة اسمها الحرية . قلت له .

-            أنا أحسست بذلك . ولكنا كنا كثيرين ونحب الحرية .

-            يا صديقي كنت احبك وتحبني . قلت له .

-      أقول لك أنا لا ذاكرة عندي .  اعتبرني فقيدا، ودعني أدفن ذكرياتي في التراب وأسقيها علها تنبت زرع  زمن آخر أكثر رحمة، من زمننا هذا . لعلي أتذكر بناءا اعوجا انتحرت تحته الذاكرة  .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2124 الجمعة  18 / 05 / 2012)

في نصوص اليوم